والخصم : أى المتخاصمين أو الخصماء. وهو في الأصل مصدر خصمه أى : غلبه في المخاصمة والمجادلة والمنازعة ، ولكونه في الأصل مصدرا صح إطلاقه على المفرد والمثنى والجمع ، والمذكر والمؤنث .. قالوا : وهو مأخوذ من تعلق كل واحد من المتنازعين بخصم الآخر.
أى : بجانبه ..
والظرف في قوله : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) متعلق بمحذوف. والتسور : اعتلاء السور ، والصعود فوقه ، إذ صيغة التفعل تفيد العلو والتصعد. كما يقال تسنم فلان الجمل ، إذ علا فوق سنامه.
والمحراب : المكان الذي كان يجلس فيه داود ـ عليهالسلام ـ للتعبد وذكر الله ـ تعالى ـ.
والمعنى : وهل وصل إلى علمك ـ أيها الرسول الكريم ـ ذلك النبأ العجيب ، ألا وهو نبأ أولئك الخصوم ، الذين تسلقوا على داود غرفته ، وقت أن كان جالسا فيها لعبادة ربه ، دون إذن منه ، ودون علم منه بقدومهم ..
إن كان هذا النبأ العجيب لم يصل إلى علمك ، فها نحن نقصه عليك.
وقوله : (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ...) بدل مما قبله. والفزع : انقباض في النفس يحدث للإنسان عند توقع مكروه.
أى : أن هؤلاء الخصوم بعد أن تسوروا المحراب ، دخلوا على داود ، فخاف منهم ، لأنهم أتوه من غير الطريق المعتاد للإتيان وهو الباب ، ولأنهم أتوه في غير الوقت الذي حدده للقاء الناس وللحكم بينهم ، وإنما أتوه في وقت عبادته.
ومن شأن النفس البشرية أن تفزع عند ما تفاجأ بحالة كهذه الحالة.
قال القرطبي : فإن قيل : لم فزع داود وهو نبي ، وقد قويت نفسه بالنبوة واطمأنت بالوحي ، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة ، وأظهر على يديه من الآيات ، وكان من الشجاعة في غاية المكانة؟
قيل له : ذلك سبيل الأنبياء قبله ، لم يأمنوا القتل والأذية ، ومنهما كان يخاف.
ألا ترى إلى موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ كيف قالا : (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) ـ أى : فرعون ـ ، فقال الله لهما : (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى ..) (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ١٧٠.