وعدم اعتراضه على قوله .. أمام كل ذلك. لم يلبث أن قال داود في حكمه : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ..).
واللام في قوله : (لَقَدْ ...) جواب لقسم محذوف.
وإضافة «سؤال» إلى «نعجتك» من إضافة المصدر إلى مفعوله ، والفاعل محذوف.
أى : بسؤاله ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) أى : من دعائه.
وقوله (نِعاجِهِ) متعلق بسؤال على تضمينه معنى الضم.
أى : قال داود ـ عليهالسلام ـ بعد فراغ المدعى من كلامه ، وبعد إقرار المدعى عليه بصدق أخيه فيما ادعاه ـ والله إن كان ما تقوله حقا ـ أيها المدعى ـ فإن أخاك في هذه الحالة يكون قد ظلمك بسبب طلبه منك أن تتنازل له عن نعجتك لكي يضمها إلى نعاجه الكثيرة.
وإنما قلنا إن داود ـ عليهالسلام ـ قد قال ذلك بعد إقرار المدعى عليه بصحة كلام المدعى ، لأنه من المعروف أن القاضي لا يحكم إلا بعد سماع حجة الخصوم أو الخصمين حتى يتمكن من الحكم بالعدل.
ولم يصرح القرآن بأن داود ـ عليهالسلام ـ قد قال حكمه بعد سماع كلام المدعى عليه ، لأنه مقرر ومعروف في كل الشرائع ، وحذف ما هو مقرر ومعلوم جائز عند كل ذي عقل سليم.
ثم أراد داود ـ عليهالسلام ـ وهو الذي آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب ـ أراد أن يهون المسألة عن نفس المشتكى ، وأن يخفف من وقع ما قاله أخوه الغنى له ، وما فعله معه ، فقال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ...).
أى : قال داود للمشتكى ـ على سبيل التسلية له ـ : وإن كثيرا من الخلطاء ، أى الشركاء ـ جمع خليط ، وهو من يخلط ماله بمال غيره.
(لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) أى : ليعتدى بعضهم على بعض ، ويطمع بعضهم في مال الآخر (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإنهم لا يفعلون ذلك لقوة إيمانهم ، ولبعدهم عن كل ما لا يرضى خالقهم. فالجملة الكريمة منصوبة المحل على الاستثناء ، لأن الكلام قبلها تام موجب.
وقوله : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) بيان لقلة عدد المؤمنين الصادقين الذين يعدلون في أحكامهم.