ما يشير إليه لفظ «النصب» والألم الكثير الذي حل بجسده بسبب الأمراض والأسقام ، والعلل ، وهو ما يشير إليه لفظ «العذاب» ..
ونسب ما مسه من نصب وعذاب إلى الشيطان تأدبا منه مع ربه ـ عزوجل ـ حيث أبى أن ينسب الشر إليه ـ سبحانه ـ ، وإن كان الكل من خلق الله ـ تعالى ـ.
وفي هذا النداء من أيوب لربه ، أسمى ألوان الأدب والإجلال ، إذ اكتفى في تضرعه بشرح حاله دون أن يزيد على ذلك ، ودون أن يقترح على خالقه ـ عزوجل ـ شيئا معينا ، أو يطلب شيئا معينا.
قال صاحب الكشاف : ألطف أيوب ـ عليهالسلام ـ في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة .. ولم يصرح بالمطلوب.
ويحكى أن عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت له : يا أمير المؤمنين ، مشت جرذان ـ أي فئران ـ بيتي على العصا!! فقال لها : ألطفت في السؤال ، لا جرم لأجعلنها تثب وثب الفهود ، وملأ بيتها حبا (١) ..
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ في سورة الأنبياء : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
وقد ذكر بعض المفسرين هنا قصصا وأقوالا في غاية السقوط والفساد ، حيث ذكروا أن أيوب ـ عليهالسلام ـ مرض زمنا طويلا ، وأن الديدان تناثرت من جسده ، وأن لحمه قد تمزق (٢).
وهذه كلها أقوال باطلة ، لأن الله ـ تعالى ـ عصم أنبياءه من الأمراض المنفرة ، التي تؤدى إلى ابتعاد الناس عنهم ، سواء أكانت أمراضا جسدية أم عصبية أم نفسية ..
والذي يجب اعتقاده أن الله ـ تعالى ـ قد ابتلى عبده أيوب ببعض الأمراض التي لا تتنافى مع منصب النبوة ، وقد صبر أيوب على ذلك حتى ضرب به المثل في الصبر ، فكانت عاقبة صبره أن رفع الله ـ تعالى ـ عنه الضر والبلاء ، وأعطاه من فضله الكثير من نعمه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) حكاية لما قيل له بعد ندائه لربه ، أو مقول لقول محذوف معطوف على قوله (نادى).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٣٠.
(٢) راجع على سبيل المثال تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ٣٠٦ ، والقرطبي ج ١٥ ص ٢٠٨.