وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤٤)
قال الإمام الرازي : اعلم أن قصة أيوب هي القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة ، واعلم أن داود وسليمان كانا ممن أفاض الله عليه أصناف الآلاء والنعماء ، وأيوب كان ممن خصه الله بأنواع البلاء ، والمقصود من جميع هذه القصص الاعتبار.
فكأن الله ـ تعالى ـ يقول لنبيه صلىاللهعليهوسلم : اصبر على سفاهة قومك ، فإنه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالا من داود وسليمان ، وما كان أكثر بلاء ومحنة من أيوب ، فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أن أحوال الدنيا لا تنظم لأحد ، وأن العاقل لا بد له من الصبر على المكاره .. (١).
وأيوب ـ عليهالسلام ـ هو ابن أموص بن برزاح ، وينتهى نسبه إلى إسحاق بن ابراهيم ـ عليهماالسلام ـ وكانت بعثته على الراجح بين موسى ويوسف ـ عليهماالسلام ـ.
وكان صاحب أموال كثيرة ، وله أولاد .. فابتلى في ماله وولده وجسده ، وصبر على كل ذلك صبرا جميلا ، فكافأه الله ـ تعالى ـ على صبره ، بأن أجاب دعاءه ، وآتاه أهله ومثلهم معهم ..
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ ...) معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ...).
و «النّصب» ـ بضم فسكون ـ وقرأ حفص ونافع ـ بضم النون والصاد : ـ التعب والمشقة مأخوذ من قولهم أنصبنى الأمر ، إذا شق عليه وأتعبه. والعذاب : الآلام الشديدة التي يحس بها الإنسان في بدنه. أى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ حال أخيك أيوب ـ عليهالسلام ـ حين دعا ربه ـ تعالى ـ فقال : يا رب أنت تعلم أنى مسنى الشيطان بالهموم الشديدة ، وبالآلام المبرحة التي حلت بجسدي فجعلتني في نهاية التعب والمرض.
وجمع ـ سبحانه ـ في بيان ما أصابه بين لفظي النصب والعذاب ، للإشارة إلى أنه قد أصيب بنوعين من المكروه : الغم الشديد بسبب زوال الخيرات التي كانت بين يديه ، وهو
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ١٩٨.