وإحسانه في مراحل حياتهم ، وإيجاد الأنعام التي تنفعهم في شئونهم المختلفة.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه غنى عن خلقه ، وأنهم هم الفقراء إليه فقال : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ، وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).
أى : إن تكفروا ـ أيها الناس ـ بعد أن سقنا لكم من الأدلة ما سقنا على صحة الإيمان وفساد الكفر ، فإن الله ـ تعالى ـ غنى عنكم وعن إيمانكم وعبادتكم وعن الخلق أجمعين.
ومع ذلك فإنه ـ سبحانه ـ لرحمته بكم ، لا يرضى لعباده الكفر ، أى : لا يحبه منهم ولا يحمده لهم ، ولا يجازى الكافر المجازاة التي يجازى بها المؤمن فإن المؤمن له جنات النعيم ، أما الكافر فله نار الجحيم.
وإن تشكروا الله على نعمه ـ أيها الناس ـ بأن تخلصوا له العبادة والطاعة وتستعملوا نعمه فيما خلقت له ، يرض لكم هذا الشكر ، ويكافئكم عليه مكافأة جزيلة. بأن يزيدكم من نعمه وإحسانه وخيره.
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أى : ولا تحمل نفس يوم القيامة حمل أخرى ، وإنما كل نفس تجازى على حسب أعمالها في الدنيا.
(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ) أى : فيخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في دنياكم ، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
(إِنَّهُ) ـ سبحانه ـ (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أى : عليم بما تخفيه الصدور من أسرار ، وبما تضمره القلوب من أقوال وأفعال ... لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال الجمل في حاشيته : قوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) معنى عدم الرضا به ، لا يفعل فعل الراضي ، بأن يأذن فيه ويقر عليه ، ويثيب فاعله ويمدحه ، بل يفعل فعل الساخط بأن ينهى عنه ، ويذم عليه ، ويعاقب مرتكبه وإن كان بإرادته ، إذ لا يخرج شيء عنها.
أو المعنى : ولا يرضى لعباده المؤمنين الكفر ، وهم الذين قال الله ـ تعالى ـ في شأنهم : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) فيكون الكلام عاما في اللفظ خاصا في المعنى ، كقوله ـ تعالى ـ : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) أى بعض العباد (١).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٩١.