وجوهكم ، وإذا لم ترحلوا عنا ، وتكفوا عن دعوتكم لنا إلى ما لا نريده ، لنرجمنكم بالحجارة ، وليمسنكم منا عذاب شديد الألم قد ينتهى بقتلكم وهلاككم.
قال صاحب الكشاف : قوله (تَطَيَّرْنا بِكُمْ) أى : تشاءمنا بكم ، وذلك أنهم كرهوا دينهم ، ونفرت منه نفوسهم ، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه ، واشتهوه وآثروه وقبلته طباعهم ، ويتشاءموا مما نفروا عنه وكرهوه ، فإن أصابهم خير أو بلاء ، قالوا : ببركة هذا وبشؤم هذا .. (١).
ولكن الرسل قابلوا هذا التهديد ـ أيضا ـ بالثبات ، والمنطق الحكيم فقالوا لهم : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ ، أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
أى : قال الرسل لأهل القرية : ليس الأمر كما ذكرتم من أننا سبب شؤمكم ، بل الحق أن شؤمكم معكم ، ومن عند أنفسكم ، بسبب إصراركم على كفركم ، وإعراضكم عن الحق الذي جئناكم به من عند خالقكم.
وجواب الشرط لقوله : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) محذوف ، والتقدير : أئن وعظتم وذكرتم بالحق ، وخوفتم من عقاب الله .. تطيرتم وتشاءمتم.
وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) إضراب عما يقتضيه الاستفهام والشرط من كون التذكير سببا للشؤم.
أى : ليس الأمر كما ذكرتم من أن وجودنا بينكم هو سبب شؤمكم ، بل الحق أنكم قوم عادتكم الإسراف في المعاصي ، وفي إيثار الباطل على الحق ، والغي على الرشد ، والتشاؤم على التيامن.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد تلك المحاورة التي دارت بين أهل القرية وبين الرسل ، والتي تدل على أن أهل القرية كانوا مثلا في السفاهة والكراهة للخير والحق.
بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما دار بين أهل القرية ، وبين رجل صالح منهم ساءه أن يرى من قومه تنكرهم لرسل الله ـ تعالى ـ وتطاولهم عليهم ، وتهديدهم لهم بالرجم : فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٩.