قولهم : تعزز لحم الناقة ، إذا اشتد وقوى. وعزز المطر الأرض ، إذا قواها وشدها. وأرض عزاز ، إذا كانت صلبة قوية.
ومفعول (فَعَزَّزْنا) محذوف لدلالة ما قبله عليه أى : فعززناهما برسول ثالث (فَقالُوا) أى الرسل الثلاثة لأصحاب القرية : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) لا إلى غيركم ، فأطيعونا فيما ندعوكم إليه من إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ، ونبذ عبادة الأصنام.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما دار بين الرسل وأصحاب القرية من محاورات فقال : (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ، وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ).
أى : قال أصحاب القرية للرسل على سبيل الاستنكار والتطاول : أنتم لستم إلا بشرا مثلنا في البشرية ، ولا مزية لكم علينا ، وكأن البشرية في زعمهم تتنافى مع الرسالة ، ثم أضافوا إلى ذلك قولهم : وما أنزل الرحمن من شيء مما تدعوننا إليه.
ثم وصفوهم بالكذب فقالوا لهم : ما أنتم إلا كاذبون ، فيما تدعونه من أنكم رسل إلينا.
وهكذا قابل أهل القرية رسل الله ، بالإعراض عن دعوتهم وبالتطاول عليهم ، وبالإنكار لما جاءوا به ، وبوصفهم بالكذب فيم يقولونه.
ولكن الرسل قابلوا كل ذلك بالأناة والصبر ، شأن الواثق من صدقه ، فقالوا لأهل القرية : (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).
أى : قالوا لهم بثقة وأدب : ربنا ـ وحده ـ يعلم إنا إليكم لمرسلون ، وكفى بعلمه علما ، وبحكمه حكما ، وما علينا بعد ذلك بالنسبة لكم إلا أن نبلغكم ما كلفنا بتبليغه إليكم تبليغا واضحا ، لا غموض فيه ولا التباس.
فأنت ترى أن الرسل لم يقابلوا سفاهة أهل القرية بمثلها ، وإنما قابلوا تكذيبهم لهم. بالمنطق الرصين ، وبتأكيد أنهم رسل الله ، وأنهم صادقون في رسالتهم ، لأن قولهم (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) جار مجرى القسم في التوكيد.
وقولهم : (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) تحديد للوظيفة التي أرسلهم الله ـ تعالى ـ من أجلها.
ولكن أهل القرية لم يقتنعوا بهذا المنطق السليم ، بل ردوا على الرسل ردا قبيحا ، فقالوا لهم : (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ ، لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) والتطير : التشاؤم. أى قالوا في الرد عليهم : إنا تشاءمنا من وجودكم بيننا ، وكرهنا النظر إلى