قال قتادة عند قراءته لهذه الآية : هذا نعت أولياء الله ، نعتهم الله بأنهم تقشعر جلودهم وتبكى أعينهم ، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم ، والغشيان عليهم ، إنما هذا في أهل البدع. وهذا من الشيطان ... (١).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يعود إلى الكتاب الذي مرت أوصافه ، وأوصاف القارئين له والمستمعين إليه.
أى : ذلك الكتاب العظيم المشتمل على أحسن الإرشادات وأحكمها ، هدى الله الذي يهدى بسببه من يشاء من عباده إلى الصراط المستقيم ، ومن يضلله ـ سبحانه ـ عن طريق الحق ، فما له من هاد يهديه إلى هذا الطريق القويم.
ثم نفى ـ سبحانه ـ المساواة بين هؤلاء الذين يخشون ربهم ، وبين غيرهم ممن قست قلوبهم ، وانحرفت نفوسهم عن الحق ، فقال ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ).
والاستفهام : للنفي والإنكار ، و «من» اسم موصول مبتدأ ، والخبر محذوف أى : أفمن كان يوم القيامة مصيره إلى النار المحرقة التي يتقيها ويحاول درأها عن نفسه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه ، كمن يأتى يوم القيامة آمنا مطمئنا بعيدا عن النار وسعيرها؟.
وفي الآية الكريمة ما فيها من تهويل عذاب يوم القيامة ، إذ جرت عادة الإنسان أن يتقى الآلام بيديه وجوارحه ، فإذا ما اتقاها بوجهه الذي هو أشرف أعضائه ، كان ذلك دليلا على أن ما نزل به في نهاية الفظاعة والشدة.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (سُوءَ الْعَذابِ) مبالغة أخرى ، إذ نفس العذاب سوء ، فإذا ما وصف بعد ذلك بالسوء ، كان أشد في الفظاعة والإهانة والألم.
وجملة : «وقيل للظالمين ...» عطف على «يتقى ...» أى : هذا هو مصير الظالمين ، إنهم يتقون النار بوجوههم التي هي أشرف أعضائهم ، وهذا الاتقاء لن يفيدهم شيئا ، بل ستغشاهم النار بلهبها ، ويقال لهم : ذوقوا العذاب الأليم بسبب ما كنتم تكسبون في الدنيا من أقوال باطلة ، وأفعال قبيحة.
(كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من أمم الكفر والضلال (فَأَتاهُمُ الْعَذابُ) المقدر لكل أمة من أمم الكفر.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٨٥.