قلت : أما الإضافة فما هي من إضافة أفعل إلى الجملة التي يفضل عليها ، ولكن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل. كقولك : الأشج أعدل بنى مروان.
وأما التفضيل فإيذان بأن السيئ الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرة ، هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية ، والحسن الذي يعملونه هو عند الله الأحسن ؛ لحسن إخلاصهم فيه ، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوإ ، وحسنهم بالأحسن» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ عصمته لنبيه صلىاللهعليهوسلم بأبلغ وجه وأتمه فقال (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ ، وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ).
وقراءة الجمهور : (عَبْدَهُ) بالإفراد وقرأ حمزة والكسائي : عباده ، والاستفهام للتقرير.
قال القرطبي : وذلك أنهم خوفوا النبي صلىاللهعليهوسلم مضرة الأوثان فقالوا له : أتسب آلهتنا لئن لم تنته عن ذكرها لتصيبنك بالسوء.
وقال قتادة : مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس ، فقال له سادنها : أحذرك منها يا خالد ، فإن لها شدة لا يقوم لها شيء. فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها ، وتخويفهم لخالد تخويف للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه هو الذي أرسله. ويدخل في الآية تخويفهم النبي صلىاللهعليهوسلم بكثرة جمعهم وقوتهم ..» (٢).
والمعنى : أليس الله ـ تعالى ـ بكاف عبده محمدا صلىاللهعليهوسلم من كل سوء؟ وكاف عباده المؤمنين الصادقين من أعدائهم؟ بلى إنه ـ سبحانه ـ لعاصم نبيه صلىاللهعليهوسلم من أعدائه ، ولناصر عباده المتقين على من ناوأهم.
والحال أن هؤلاء المشركين يخوفونك ـ أيها الرسول الكريم ـ من أصنامهم التي يعبدونها من دونه ـ تعالى ـ ، مع أن هذه الآلهة الباطلة أتفه من أن تدافع عن نفسها فضلا عن غيرها.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أى : من يضلله الله ـ تعالى ـ (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديه إلى الصراط المستقيم.
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) أى : ومن يهده الله ـ تعالى ـ إلى طريق الحق والصواب.
(فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) أى : فما له من أحد كائنا من كان يستطيع إضلاله.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٢٨.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٢٥٨.