والجمع في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) باعتبار دخول الأتباع تباعا : ومراتب التقوى متفاوتة ، ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلاها ... (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعده لهؤلاء المتقين من نعيم فقال (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ...).
أى : لهؤلاء المتقين كل ما يشاءونه عند ربهم ومالك أمرهم ، بسبب تصديقهم للحق ، واتباعهم لما جاءهم به رسولهم صلىاللهعليهوسلم.
وفي قوله : «عند ربهم» تكريم وتشريف لهم.
وقوله : (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أى : ذلك الذي ذكرناه من حصولهم على ما يشتهونه ، جزاء من أحسنوا في أقوالهم وأفعالهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر تكريمه لهم ، ورحمته بهم فقال : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ، وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ).
واللام في قوله : «ليكفر ...» متعلقة بمحذوف ، أى : أعطاهم ـ سبحانه ـ ما أعطاهم من فضله ورحمته ليكفر عنهم أسوأ الذنوب التي عملوها ، كالكفر قبل الإسلام ، بأن يغفر لهم ذلك ولا يؤاخذهم عليه.
وإذا غفر الله ـ تعالى ـ لهؤلاء المتقين أسوأ أعمالهم ، غفر لهم ـ بفضله ورحمته ما هو دونه بالطريق الأولى.
«ويجزيهم أجرهم» أى : ويعطيهم ثواب أعمالهم «بأحسن الذي كانوا يعملون» أى : يعطيهم في مقابل عملهم الصالح في الدنيا جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وعلى هذا التفسير يكون قوله ـ تعالى ـ : أسوأ وأحسن ، أفعل تفضيل حيث كفر ـ سبحانه ـ عنهم أسوأ أعمالهم ، وكافأهم على أعمالهم بما هو أحسن منها وهو الجنة.
وهذا منتهى الفضل والإحسان من الله ـ تعالى ـ لعباده المتقين ، حيث عاملهم بالفضل ولم يعاملهم بالعدل.
ومنهم من يرى أن قوله : أسوأ وأحسن ، بمعنى السيئ والحسن ، فيكون أفعل التفضيل ليس على بابه ، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : ما معنى إضافة الأسوأ والأحسن إلى الذي عملوا؟ وما معنى التفضيل فيهما؟.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ٢.