عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٥٩)
ذكر المفسرون في سبب نزول قوله ـ تعالى ـ (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ). روايات منها : ما رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال : لما اجتمعنا على الهجرة. تواعدت أنا وهشام بن العاص بن وائل السّهمى وعيّاش بن أبى ربيعة بن عتبة ، فقلنا : الموعد أضاة بنى غفار ـ أى : غدير بنى غفار ـ وقلنا : من تأخر منا فقد حبس فليمض صاحبه فأصبحت أنا وعياش بن عتبة ، وحبس عنا هشام ، وإذا به قد فتن فافتتن ، فكنا نقول بالمدينة : هؤلاء قد عرفوا الله ـ عزوجل ـ وآمنوا برسوله صلىاللهعليهوسلم ، ثم افتتنوا لبلاء لحقهم لا نرى لهم توبة ، وكانوا هم ـ أيضا ـ يقولون هذا في أنفسهم. فأنزل الله ـ عزوجل ـ في كتابه : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ..) إلى قوله ـ تعالى ـ (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ).
قال عمر : فكتبتها بيدي ، ثم بعثتها إلى هشام. قال هشام : فلما قدمت على خرجت بها إلى ذي طوى فقلت : اللهم فهمنيها ، فعرفت أنها نزلت فينا ، فرجعت فجلست على بعيري فلحقت برسول الله صلىاللهعليهوسلم (١).
والأمر في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) موجه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وإضافة العباد إلى الله ـ تعالى ـ للتشريف والتكريم.
والإسراف : تجاوز الحد في كل شيء ، وأشهر ما يكون استعمالا في الإنفاق ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٢٦٨ ، تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ١٥.