أى : سارعوا إلى اتباع إرشادات وتشريعات وآداب هذا القرآن ، من قبل أن ينزل بكم العذاب فجأة وبدون مقدمات ، بحيث لا تشعرون بإتيانه إلا عند نزوله.
فالآية الكريمة تقرير وتأكيد لما قبلها : من الدعوة إلى المسارعة بالتوبة وبالعمل الصالح.
وقوله : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) في موضع المفعول لأجله بتقدير مضاف محذوف.
أى : اتبعوا ما أمرناكم به ، واحذروا ما نهيناكم عنه ، كراهة أن تقول نفس يوم القيامة (يا حَسْرَتى) أى : يا ندامتي (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ...) أى : بسبب تفريطي وتقصيرى في طاعة الله ، وفي حقه ـ تعالى ـ.
وأصل الجنب والجانب : الجهة المحسوسة للشيء ، وأطلق على الطاعة على سبيل المجاز ، حيث شبهت بالجهة. بجامع تعلق كل منهما ـ أى الجانب والطاعة ـ بصاحبه. إذ الطاعة لها تعلق بالله ـ تعالى ـ. كما أن الجهة لها تعلق بصاحبها.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم نكرت «نفس».؟ قلت : لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكافر. ويجوز أن يكون نفس متميزة من الأنفس : إما بلجاج في الكفر شديد ، أو بعذاب عظيم ، ويجوز أن يراد التكثير ، كما قال الأعشى :
دعا قومه حولي فجاءوا لنصره |
|
وناديت قوما بالمسناة غيبا |
ورببقيع لو هتفت بجوه |
|
أتانى كريم ينفض الرأس مغضبا |
وهو يريد : أفواجا من الكرام ينصرونه ، لا كريما واحدا .. (١).
وجملة : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) في محل نصب على الحال. أى : فرطت في جنب الله وطاعته ، والحال أنى لم أكن إلا من الساخرين بدينه ، المستهزئين بأتباع هذا الدين الحق.
قال قتادة : لم يكفه أنه ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ مقالة أخرى مما تقوله تلك النفس فقال : (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) إلى طاعته واتباع دينه (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) للشرك والمعاصي ، ومن الذين صانوا أنفسهم عما يغضبه ـ سبحانه ـ ولا يرضيه.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ مقالة ثالثة لها فقال : (أَوْ تَقُولَ) هذه النفس (حِينَ تَرَى الْعَذابَ). في الآخرة (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) أى رجعة إلى الدنيا (فَأَكُونَ) فيها (مِنَ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٣٦.