الذين كذبوا .. والاستفهام في قوله : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) للتقرير. والمثوى : المكان والمقام.
يقال : ثوى فلان بالمكان وأثوى فيه ، إذا أقام به ، فهو ثاو ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ).
أى : أليس في جهنم مكانا ومقرا لإهانة المتكبرين وإذلالهم ، بسبب تطاولهم على غيرهم ، وتكذيبهم لآيات الله؟ بلى إن بها ما يجعلهم يذوقون العذاب الأليم.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال المؤمنين يوم القيامة ، بعد بيانه لحال الذين كذبوا على الله ، فقال : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
ومفازتهم : اسم مصدر. أو مصدر ميمى. من فاز فلان بكذا ، إذا ظفر به ، ونال مراده منه.
أى : وينجى الله ـ تعالى ـ بفضله ورحمته ، (الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك والمعاصي من عذاب جهنم ، (بِمَفازَتِهِمْ) أى : بسبب فوزهم برضا الله ـ تعالى ـ ورحمته ، جزاء إيمانهم وتقواهم ، وقرأ حمزة والكسائي بمفازاتهم بالجمع.
ويصح أن تكون الباء في قوله : (بِمَفازَتِهِمْ) للملابسة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من الذين اتقوا. أى ينجيهما حالة كونهم متلبسين.
وقوله : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يجوز أن يكون تفسيرا لذلك الفوز ، كأنه قيل : وما مظاهر فوزهم فكان الجواب : لا يمسهم السوء الذي يصيب غيرهم من الكافرين والعصاة ، ولا هم يحزنون على شيء تركوه خلفهم في الدنيا.
ويجوز أن يكون حالا من الذين اتقوا. أي : ينجيهم بسبب مفازتهم ، حال كونهم لا يمسهم السوء ، أى : لا يمسهم شيء مما يكره لا في الحال ولا في الاستقبال ، ولا هم يحزنون على ما كان منهم في الماضي.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد كرم المتقين تكريما عظيما ، حيث نجاهم من عذاب جهنم ، وجعلهم آمنين من كل ما يغمهم في كل زمان أو مكان.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : هذه آية جامعة ، لأن الإنسان إذا علم أنه لا يمسه السوء ، كان فارغ البال بحسب الحال ، وإذا علم أنه لا يحزن كان هادئ النفس عما وقع في قلبه بسبب فوات الماضي ، فحينئذ يظهر أنه سلم عن كل الآفات.