وقد دلت الآية على أن المؤمنين لا ينالهم الخوف والرعب في القيامة ، وتأكد هذا بقوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ..) (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يدل على كمال قدرته فقال : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
أى : الله ـ تعالى ـ هو وحده الخالق لكل شيء في هذا الكون ، وهو ـ سبحانه ـ المتصرف في كل شيء في هذا الوجود ، بحيث لا يخرج مخلوق عن إذنه ومشيئته.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى : له وحده مفاتيح خزائنهما ، والمقاليد جمع مقلاد ، أو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، مأخوذ من التقليد بمعنى الإلزام. أى : أنه لا يملك أمر السموات والأرض ، ولا يتمكن من التصرف فيهما غيره ـ تعالى ـ.
قال صاحب الكشاف : قوله : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أى : هو مالك أمرهما وحافظهما ؛ لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها ، هو الذي يملك مقاليدها ، ومنه قولهم : فلان ألقيت إليه مقاليد الملك ، وهي المفاتيح ، ولا واحد لها من لفظها وقيل : جمع مقليد .. والكلمة أصلها فارسية.
فإن قلت : ما للكتاب العربي المبين وللفارسية؟
قلت : التعريب أحالها عربية ، كما أخرج الاستعمال المهمل عن كونه مهملا ، (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ مصير الكافرين فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أى : والذين كفروا بآيات الله التنزيلية والكونية الدالة على وحدانيته ، أولئك هم البالغون أقصى الدرجات في الخسران.
وهذه الآية الكريمة معطوفة على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) وما بينهما اعتراض للدلالة على هيمنة الله ـ تعالى ـ على شئون خلقه .. أى : وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم .. والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الكاملون في الخسران.
وهذه المقابلة فيها ما فيها من تأكيد الثواب العظيم للمتقين ، والعقاب الأليم للكافرين. ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يوبخ الكافرين على جهالاتهم. فقال : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٢٦٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٤٠.