وقد ذكروا في سبب نزولها أن المشركين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك.
والاستفهام للإنكار والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، و «غير» منصوب بقوله : (أَعْبُدُ) ، وأعبد معمول لتأمرونى على تقدير أن المصدرية ، فلما حذفت بطل عملها.
والمعنى : قل ـ يا أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين على سبيل التوبيخ والتأنيب : أبعد أن شاهدتهم ما شاهدتم من الآيات الدالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ ، وعلى صدقى فيما أبلغه عنه ، أبعد كل ذلك تأمرونى أن أعبد غير الله ـ تعالى ـ أيها الجاهلون بكل ما يجب لله ـ تعالى ـ من تنزيه وتقديس.
ووصفهم هنا بالجهل ، لأن هذا الوصف هو الوصف المناسب للرد على ما طلبوه. منه صلىاللهعليهوسلم من إشراك آلهتهم في العبادة.
ثم حذر ـ سبحانه ـ من الشرك أبلغ تحذير فقال : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
قال الجمل : قوله : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ ...) هذه اللام دالة على قسم مقدر وقوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ). هذه اللام ـ أيضا ـ دالة على قسم مقدر ، وقوله : (لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) كل من هذين اللامين واقعة في جواب القسم الثاني. والثاني وجوابه جواب الأول. وأما جواب الشرط في قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) فمحذوف ، لدخول جواب القسم عليه ، فهو من قبيل قول ابن مالك :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم |
|
جواب ما أخرت فهو ملتزم (١) |
وقوله (أُوحِيَ) مسلط على (إِلَيْكَ) وعلى (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) فيكون المعنى : ولقد أوحى إليك ـ أيها الرسول الكريم ـ وأوحى إلى الرسل الذين من قبلك أيضا لئن أشركت ، بالله ـ تعالى ـ على سبيل الفرض (لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ، أى ليفسدن عملك فسادا تاما (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) خسارة ليس بعدها خسارة في الدنيا والآخرة.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الموحى إليهم ، جماعة ، فكيف قال : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) على التوحيد؟
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٦٠٨.