وكثافتها تكون يوم القيامة في قبضته وتحت قدرته ، كالشىء الذي يقبض عليه القابض ، والسموات كذلك مع ضخامتها واتساعها ، تكون مطويات بيمينه وتحت قدرته وتصرفه ، كما يطوى الواحد منا الشيء الهين القليل بيمينه ، وما دام الأمر كذلك فكيف يشركون معه غيره في العبادة؟
فالمقصود من الآية الكريمة بيان وحدانيته وعظمته وقدرته ـ سبحانه ـ وبيان ما عليه المشركون من جهالة وانطماس بصيرة حين أشركوا معه في العبادة غيره.
قال صاحب الكشاف : والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعته ، تصوير عظمته ، والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز ... (١).
وقال الآلوسى : والكلام في هذه الآية عند كثير من الخلف ، تمثيل لحال عظمته ـ تعالى ـ ونفاذ قدرته .. بحال من يكون له قبضة فيها الأرض جميعا ، ويمين بها يطوى السموات ، أو بحال من يكون له قبضة فيها الأرض والسموات ، ويمين بها يطوى السموات.
والسلف يقولون : إن الكلام هنا تنبيه على مزيد جلالته ـ تعالى ـ. إلا أنهم لا يقولون إن القبضة مجاز عن الملك أو التصرف ، ولا اليمين مجاز عن القدرة ، بل ينزهون الله ـ تعالى ـ عن الأعضاء والجوارح ، ويؤمنون بما نسبه ـ تعالى ـ : إلى ذاته بالمعنى اللائق به الذي أراده ـ سبحانه ـ وكذا يفعلون في الأخبار الواردة في هذا المقام.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : جاء حبر من الأحبار الى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد. إنا نجد الله يحمل السموات يوم القيامة على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع. فيقول : أنا الملك. فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ هذه الآية .. (٢).
وقدم ـ سبحانه ـ الأرض على السموات لمباشرتهم لها ، ومعرفتهم بحقيقتها.
وخص يوم القيامة بالذكر ، وإن كانت قدرته عامة وشاملة لدار الدنيا ـ أيضا ـ لأن الدعاوى تنقطع في ذلك اليوم. كما قال ـ تعالى ـ (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ).
روى الشيخان عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «يطوى الله
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٤٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٤ ص ٢٦.