من جنس الحروف الهجائية التي تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم في شك في أنه من عند الله ـ تعالى ـ فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله ، أو سورة واحدة من مثله ، فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
وقوله ـ تعالى ـ : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) جملة من مبتدأ وخبر ، أى : هذا الكتاب منزل عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ من الله ـ تعالى ـ وحده ، وليس من عند أحد غيره.
ثم وصف ـ سبحانه ـ ذاته بثماني صفات تليق بذاته فقال : (الْعَزِيزِ) أى : الغالب لكل من سواه ، من العز بمعنى القوة والغلبة. يقال : عزّ فلان يعز ـ من باب تعب ـ فهو عزيز ، إذا كان معروفا بالقوة والمنعة ، ومنه قولهم : أرض عزاز إذا كانت صلبة قوية.
(الْعَلِيمِ) أى : المطلع على أحوال خلقه دون أن يخفى عليه شيء منها.
(غافِرِ الذَّنْبِ) أى : ساتر لذنوب عباده ، ومزيل لأثرها عنهم بفضله ورحمته.
فلفظ (غافِرِ) من الغفر بمعنى الستر والتغطية ، يقال : غفر الله ـ تعالى ـ ذنب فلان غفرا ومغفرة وغفرانا ، إذا غطاه وستره وعفا عنه.
ولفظ الذنب : يطلق على كل قول أو فعل تسوء عاقبته ، مأخوذ من ذنب الشيء ، أى : نهايته (وَقابِلِ التَّوْبِ) والتوب مصدر بمعنى الرجوع عن الذنب والتوبة منه. يقال : تاب فلان عن الذنب توبة وتوبا إذا رجع عنه.
أى : أنه ـ سبحانه ـ يغفر ذنوب عباده ، ويقبل توبتهم فضلا منه وكرما.
قال صاحب الكشاف : ما بال الواو في قوله (وَقابِلِ التَّوْبِ)؟
قلت : فيها نكتة جليلة ، وهي إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين : بين أن يقبل توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات ، وأن يجعلها محاءة للذنوب ، كأنه لم يذنب. كأنه قال : جامع المغفرة والقبول .. (١).
(شَدِيدِ الْعِقابِ) أى : لمن أشرك به ، وأعرض عن الحق الذي جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم (ذِي الطَّوْلِ) أى : ذي الفضل والثواب والإنعام على من يشاء من عباده.
والطّول : السعة والغنى والزيادة ، يقال : لفلان على فلان طول ، أى زيادة وفضل ، ومنه الطّول في الجسم لأنه زيادة فيه. قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ..) أى : غنى وسعة.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٤٩.