وقوله ـ سبحانه ـ : (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) تعليل لمقت الله أى : لغضب الله ـ تعالى ـ عليكم ، أشد من غضبكم على أنفسكم الأمارة بالسوء وذلك لأنكم جاءتكم دعوة الحق على ألسنة رسلكم ، فأعرضتم عنها ، وصممتم على الكفر والفسوق والعصيان ، حتى أدرككم الموت ، وها أنتم اليوم تجزون ما كنتم تعملونه في الدنيا.
ثم يحكى ـ سبحانه ـ ما يقوله الكافرون بعد أن أنزل بهم ـ سبحانه ـ عقابه العادل فيقول : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ...).
وأرادوا بالموتة الأولى : خلقهم من مادة لا روح فيها وهم في بطون أمهاتهم .. وأرادوا بالثانية : قبض أرواحهم عند انقضاء آجالهم.
وأرادوا بالحياة الأولى : نفخ أرواحهم في أجسادهم وهي في الأرحام ، وأرادوا بالثانية إعادتهم إلى الحياة يوم البعث ، للحساب والجزاء.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ..) (١).
(فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) أى : أنت يا ربنا الذي ـ بقدرتك وحدها ـ أمتنا إماتتين اثنتين ، وأحييتنا إحياءتين اثنتين ، وها نحن قد اعترفنا بذنوبنا التي وقعت منا في الدنيا ، وندمنا على ما كان منا أشد الندم ..
(فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) أى : فهل بعد هذا الاعتراف ، في الإمكان أن تخرجنا من النار ، وأن تعيدنا إلى الحياة الدنيا ، لنؤمن بك حق الإيمان. ونعمل غير الذي كنا نعمل.
فأنت ترى أن الآية تصور ذلهم وحسرتهم أكمل تصوير ، وأنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم ، ولكن هذا التمني والتلهف جاء بعد فوات الأوان.
قال ابن كثير ما ملخصه : هذه الآية كقوله ـ تعالى ـ : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ...) وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية.
وقال السدى : أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ، ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة.
وقال ابن زيد : أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ، ثم خلقهم في الأرحام. ثم أماتهم يوم القيامة.
وهذا القولان ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات.
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٨.