ـ تعالى ـ فيهم بقضائه العادل.
أى : يلقى ـ سبحانه ـ بوحيه على أنبيائه ، لينذروا الناس ويحذروهم من سوء العذاب يوم القيامة ، إذا ما استمروا في كفرهم وعصيانهم لخالقهم.
ثم صور ـ سبحانه ـ أحوال الناس في هذا اليوم العصيب ، فقال : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ...).
وهذه الجملة الكريمة بدل من قوله (يَوْمَ التَّلاقِ) ، أى : يلقى ـ سبحانه ـ على من يشاء من عباده ، لكي ينذر الناس من أهوال ذلك اليوم الذي تلتقي فيه الخلائق ، والذي يظهرون فيه ظهورا تاما ، دون أن يخفى منهم شيء على الله ـ تعالى ـ.
والله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء من أمرهم لا في هذا اليوم ولا في غيره ، ولكنه ـ سبحانه ـ ذكر بروزهم وعدم خفائهم عليه في هذا اليوم ، لأنهم ـ لجهلهم ـ كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم يستطيعون التستر عنه ، كما أشار ـ سبحانه ـ إلى ذلك في قوله ـ تعالى ـ (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ، أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
ورحم الله صاحب الكشاف ، فقد قال : قوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) أى : ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء ، لأن الأرض بارزة قاع صفصف ، ولا عليهم ثياب ، إنما هم عراة مكشوفون ، كما جاء في الحديث : «يحشرون عراة حفاة غرلا» (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) أى : من أعمالهم وأحوالهم ...
فإن قلت : قوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) بيان وتقرير لبروزهم ، والله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أم لم يبرزوا ، فما معناه؟
قلت : معناه أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب ، أن الله لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم ، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه قال ـ تعالى ـ : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ..) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) السائل والمجيب هو الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٥٦.