أى : ينادى الله ـ تعالى ـ في المخلوقات في ذلك اليوم ، لمن الملك في هذا اليوم الهائل الشديد؟ ثم يجيب ـ سبحانه ـ على هذا السؤال بقوله : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
قال القرطبي ما ملخصه : قال الحسن : هو السائل ـ تعالى ـ وهو المجيب ، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه ، فيجيب نفسه سبحانه فيقول : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
وعن ابن مسعود قال : يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة ، لم يعص الله ـ جل وعلا ـ عليها ، فيأمر مناديا ينادى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا ، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا.
ثم قال : والقول الأول ظاهر جدا ، لأن المقصود إظهار انفراده ـ تعالى ـ بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين ، وانتساب المنتسبين ، إذ قد ذهب كل ملك وملكة (١).
وبعد أن قرر ـ سبحانه ـ أن الملك في هذا اليوم له وحده. أتبع ذلك ببيان ما يحدث في هذا اليوم فقال : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ..).
أى : في هذا اليوم الهائل الشديد تجازى كل نفس من النفوس المؤمنة والكافرة ، والبارة والفاجرة. بما كسبت في دنياها من خير أو شر ، ومن طاعة أو معصية.
(لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) ولا جور ولا محاباة ولا وساطات .. وإنما تعطى كل نفس ما تستحقه من ثواب أو عقاب.
(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) لأنه ـ سبحانه ـ لا يحتاج إلى تفكير عند محاسبته لخلقه ، بل هو ـ سبحانه ـ قد أحاط بكل شيء علما ، كما قال ـ تعالى ـ : (عالِمِ الْغَيْبِ ، لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ، وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).
ثم يوجه الله ـ تعالى ـ أمره إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يحذر كفار قريش من أهوال هذا اليوم فيقول : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ..).
والآزفة : القيامة. وأصل معنى الآزفة : القريبة ، وسميت القيامة بذلك لقربها ، يقال : أزف ـ بزنة فرح ـ يوم الرحيل. إذا دنا وقرب.
والحناجر : جمع حنجرة وهي الحلقوم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٣٠١.