قال الإمام الرازي : والصحيح أن هذا القتل كان غير القتل الذي وقع في وقت ولادة موسى ، لأن القتل في ذلك الوقت كان بسبب أن المنجمين قد أخبروا فرعون بولادة عدو له يظهر عليه ، فأمر بقتل الأبناء في ذلك الوقت. وأما في هذا الوقت. فموسى ـ عليهالسلام ـ كان قد جاءه وأظهر المعجزات. فعند ذلك أمر بقتل أبناء الذين آمنوا معه ، لئلا ينشئوا على دين موسى ، فيقوى بهم. وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات. فلهذا السبب أمر بقتل الأبناء .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) توهين لشأن الكافرين في كل زمان ومكان ، وتشجيع للمؤمنين على أن يسيروا في طريق الحق دون أن يرهبهم وعد أو وعيد. فإن النصر سيكون في النهاية لهم.
أى : وما كيد الكافرين ومكرهم وعدوانهم ، إلا مصيره إلى الضلال والضياع والبطلان. يقال : ضل فلان الطريق إذا ضاع منه الرشد. والتبست عليه السبل. وصار تائها لا يعرف له طريقا يوصله إلى ما يريد.
ثم بين ـ سبحانه ـ لونا آخر من ألوان فجور فرعون وبغيه فقال : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ..)
والجملة الكريمة معطوفة على قوله : (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) وجملة (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) اعتراضية ، جيء بها مسارعة لبيان خسرانهم وضلالهم.
أى : وقال فرعون لحاشيته ومستشاريه وخاصته : اتركوني لأقتل موسى ـ عليهالسلام ـ وأتخلص منه ومن أقواله التي فيها ما فيها من الضرر بي وبكم.
ويبدو من أسلوب الآية الكريمة أن اتجاه فرعون لقتل موسى كان يجد معارضة مستشاريه. لأنهم يرون أن قتله لا ينهى المتاعب ، بل قد يزيدها اشتعالا لأن عامة الناس سيفهمون أن قتل موسى كان بسبب أنه على الحق ، فتثور ثائرتهم لقتله ، أو لأنهم كانوا يخافون أن قتله سيؤدي إلى نزول العذاب بهم ، غضبا من رب موسى ، ولعل بعضهم كان يعتقد أن موسى على حق ولكن الخوف منعه من الجهر بذلك ، أو لأنهم كانوا يرون أن قتل موسى سيؤدي إلى تفرغ فرعون لهم ، وهم لا يريدون هذا التفرغ ، لأنه يؤدى إلى ضياع الكثير من منافعهم.
قال صاحب الكشاف : قوله : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) كانوا إذا هم بقتله كفّوه بقولهم : ليس موسى بالذي تخافه. وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا بعض السحرة .. وإنك إذا
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٣٠٢.