إليها إلا بسلم .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن مكر فرعون هذا مصيره إلى الخسران فقال : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ).
والتباب : الهلاك والخسران ، يقال : تب الله ـ تعالى ـ فلانا ، أى : أهلكه ، وتبت يدا فلان ، أى : خسرتا ومنه قوله ـ سبحانه ـ : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ...).
أى : ومثل ذلك التزيين القبيح ، زين لفرعون سوء عمله ، فرآه حسنا ، لفجوره وطغيانه ، وصد عن سبيل الهدى والرشاد ، لأنه استحب العمى على الهدى. وما كيد فرعون ومكره وتلبيسه واحتياله في إبطال الحق ، إلا في هلاك وخسران وانقطاع.
ثم حكى القرآن الكريم أن الرجل المؤمن قد تابع حديثه ونصائحه لقومه ، بعد أن استمع إلى ما قاله فرعون من باطل وغرور فقال : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ ..) أى : فيما أنصحكم به ، وأرشدكم إليه.
(أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) أى : اتبعونى فيما نصحتكم به ، فإن في اتباعكم لي هدايتكم إلى الطريق الذي كله صلاح وسعادة وسداد. أما اتباعكم لفرعون فيؤدى بكم إلى طريق الغي والضلال.
(يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ ...) أى : هذه الدنيا متاع زائل مهما طالت أيامه ..
(وَإِنَّ الْآخِرَةَ) وحدها (هِيَ دارُ الْقَرارِ) أى : هي الدار التي فيها البقاء والدوام والخلود.
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً) في هذه الدنيا (فَلا يُجْزى) في الآخرة (إِلَّا مِثْلَها) كرما من الله ـ تعالى ـ وعدلا.
(وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالله ـ تعالى ـ إيمانا حقا.
(فَأُولئِكَ) المؤمنون الصادقون (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) أى : يرزقون فيها رزقا واسعا هنيئا ، لا يعلم قدره إلا الله ـ تعالى ـ ، ولا يحاسبهم عليه محاسب. فقد تفضل ـ سبحانه ـ على عباده. أن يضاعف لهم الحسنات دون السيئات.
ثم استنكر موقف قومه منه فقال : (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) من العذاب
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٦.