وجرم : فعل ماض بمعنى حق وثبت ووجب. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن في خمسة مواضع ، وفي كل موضع جاءت متلوة بأنّ واسمها.
وجمهور النحاة على أنها مركبة من «لا» و «جرم» تركيب خمسة عشر. ومعناها بعد هذا التركيب معنى الفعل حق وثبت ، والجملة بعدها هي الفاعل لهذا الفعل ..
ومن النحاة من يرى أن «لا» نافية للجنس ، و «جرم» اسمها ، وما بعدها خبرها.
أى : حق وثبت لدى بما لا يقبل الشك ، أن آلهتكم التي تدعونني لعبادتها آلهة باطلة ، لا وزن لها ولا قيمة لا في الدنيا ولا في الآخرة ..
(وَأَنَّ مَرَدَّنا) جميعا (إِلَى اللهِ) ـ تعالى ـ وحده (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) أى : المستكثرين من المعاصي في الدنيا (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) في الآخرة.
ثم نصح نصائحه الحكيمة الغالية بقوله : فستذكرون يا قوم ما أقول لكم من حق وصدق.
(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ـ تعالى ـ وحده لكي يعصمني من كل سوء.
(إِنَّ اللهَ) ـ تعالى ـ (بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) لا يخفى عليه شيء من أقوالهم أو أفعالهم ، وسيجازى يوم القيامة كل نفس بما كسبت.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) بيان للعاقبة الطيبة التي أكرمه الله ـ سبحانه ـ بها بعد صدوعه بكلمة الحق أمام فرعون وجنده ..
أى : فكانت نتيجة إيمان هذا الرجل ، وجهره بكلمة الحق ، ونصحه لقومه ، أن وقاه الله ـ تعالى ـ ما أراده الظالمون به من أذى وعدوان ومن مكر سيئ ..
(وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ) أى : ونزل وأحاط بفرعون وقومه (سُوءُ الْعَذابِ) بأن أغرقهم الله ـ تعالى ـ في اليم ، وجعلهم عبرة لمن يعتبر.
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء مصيرهم بعد موتهم ، وعند قيام الساعة ، فقال : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) .. والغدو : أول النهار. والعشى : آخره ، وجملة : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها ..) بدل من قوله ـ تعالى ـ (سُوءُ الْعَذابِ). بعرض أرواح فرعون وملئه على النار بعد موتهم وهم في قبورهم في الصباح والمساء ، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يقال لملائكة العذاب : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) وهو عذاب جهنم وبئس المصير مصيرهم.
قال القرطبي : والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله ـ تعالى ـ : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) مادامت الدنيا ..