قال الجمل ما ملخصه : قوله : (وَقَيَّضْنا ...) أى : سببنا وهيأنا وبعثنا لهم قرناء يلازمونهم ويستولون عليهم استيلاء القيض على البيض. والقيض قشر البيض ..
والتقييض ـ أيضا ـ التيسير والتهيئة ، تقول قيضت لفلان الشيء ، أى : هيأته ويسرته له .. (١).
والقرناء : جمع قرين ، وهو الصديق الملازم للشخص الذي لا يكاد يفارقه ، وله تأثير عليه والمراد بما بين أيديهم : شهوات الدنيا وسيئاتها. والمراد بما خلفهم : ما يتعلق بالآخرة من بعث وحساب وثواب وعقاب.
والمعنى : إن حكمتنا قد اقتضت أن نهيئ ونسبب لهؤلاء المشركين قرناء سوء ، هؤلاء القرناء يزينون لهم القبيح من أعمال الدنيا التي يعيشون فيها ، كما يزينون لهم إنكار ما يتعلق بما خلفهم من أمور الآخرة ، كتكذيبهم بالبعث والحساب والجزاء.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...) بيان لما ترتب على استجابتهم لقرناء السوء ، وانقيادهم لهم انقياد التابع للمتبوع.
أى : وثبت عليهم القول الذي قاله ـ سبحانه ـ لإبليس ، وتحقق مقتضاه وهو قوله ـ تعالى ـ : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣).
وقوله : (فِي أُمَمٍ) في محل نصب على الحال من الضمير في (عَلَيْهِمُ) أى : وثبت عليهم العذاب. حالة كونهم داخلين في جملة أمم كافرة جاحدة ، قد مضت من قبلهم ، وهذه الأمم منها ما هو من الجن ، ومنها ما هو من الإنس.
وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لكفار قريش ولغيرهم من الأمم السابقة التي هلكت على الكفر.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما تواصى به المشركون فيما بينهم فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٩.
(٢) سورة الزخرف الآيتان ٣٦ ، ٣٧.
(٣) سورة «ص» آية ٨٥.