والمراد بالعندية في قوله ـ تعالى ـ (عِنْدَ رَبِّكَ) عندية المكانة والتشريف لا عندية المكان.
وقوله (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) تعليل لجواب الشرط المقدر ، أى : فإن استكبروا فدعهم وشأنهم فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ آية أخرى من آياته الدالة على وجوب إخلاص العبادة له فقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً ، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ..).
و (خاشِعَةً) أى ، يابسة جدبة ، خشعت الأرض ، إذا أجدبت لعدم نزول المطر عليها وقوله : (اهْتَزَّتْ) أى : تحركت بالنبات قبل بروزه منها وبعد ظهوره على سطحها و (رَبَتْ) أى : انتفخت وعلت ، لأن النبات إذا قارب الظهور ترى الأرض ، ارتفعت له ، ثم تشققت عنه. يقال : ربا الشيء إذا زاد وعلا وارتفع ، ومنه الربوة للمكان المرتفع من الأرض.
أى : ومن آياته ـ تعالى ـ الدالة على وجوب العبادة له وحده ، أنك ـ أيها العاقل ـ ترى الأرض يابسة جامدة ، فإذا أنزلنا عليها بقدرتنا المطر ، تحركت بالنبات ، وارتفعت بسببه ، ثم تصدعت عنه.
وعنى ـ سبحانه ـ هنا بقوله (خاشِعَةً) لأن الحديث عن وجوب السجود لله ـ تعالى ـ وحده ، والحديث عن السجود والطاعة يناسبه الخشوع.
وفي سورة الحج قال ـ سبحانه ـ : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً ..) لأن الحديث هناك كان عن البعث ، وعن إمكانيته ، فناسب أن يعبر بالهمود الذي يدل على فقدان الحياة.
قال ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ..) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى ، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بيان لمظاهر قدرته ـ عزوجل ـ.
__________________
(١) سورة الأنبياء الآيتان ١٩ ، ٢٠.
(٢) سورة الحج الآية ٥.