فقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) بيان لأحوالهم الطيبة ، بعد بيان أحوال الكافرين السيئة.
والشغل : الشأن الذي يشغل الإنسان عما سواه من الشئون ، لكونه أهم عنده من غيره ، وما فيه من التنكير للتفخيم ، كأنه قيل : في شغل أى شغل.
وفاكهون. أى : متنعمون متلذذون في النعمة التي تحيط بهم ، مأخوذ من الفكاهة ـ بفتح الفاء ـ وهي طيب العيش مع النشاط. يقال : فكه الرجل فكها وفكاهة فهو فكه وفاكه ، إذا طاب عيشه ، وزاد سروره ، وعظم نشاطه وسميت الفاكهة بذلك لتلذذ الإنسان بها.
أى : يقال للكافرين في يوم الحساب والجزاء زيادة في حسرتهم ـ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل عظيم ، يتلذذون فيه بما يشرح صدورهم ، ويرضى نفوسهم ، ويقر عيونهم ، ويجعلهم في أعلى درجات التنعم والغبطة.
وعبر عن حالهم هذه بالجملة الاسمية المؤكدة ، للإشعار بأن هذه الحال ثابتة لهم ثبوتا تاما ، بفضل الله ـ تعالى ـ وكرمه.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من كيفية هذا التمتع بالجنة ونعيمها فقال : (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ).
و «هم» مبتدأ ، و «أزواجهم» معطوف عليه. و «متكئون» خبر المبتدأ.
قال الامام الرازي. ولفظ الأزواج هنا يحتمل وجهين :
أحدهما : أشكالهم في الإحسان. وأمثالهم في الإيمان ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ).
وثانيهما : الأزواج هم المفهومون من زوج المرأة وزوجة الرجل ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ...) (١).
ويبدو أن المراد بالأزواج هنا : حلائلهم اللاتي أحلهن الله لهم ، زيادة في مسرتهم وبهجتهم ، وعلى هذا سار عامة المفسرين.
والظلال : جمع ظل أو ظلة ، وهي ما يظل الإنسان ويقيه من الحر.
والأرائك : جمع أريكة وهي ما يجلس عليه الإنسان من سرير ونحوه للراحة والمتعة.
أى : أن أصحاب الجنة هم وحلائلهم يجلسون على الأرائك متكئين في متعة ولذة.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ١٠٠.