وقوله : (لَطَمَسْنا) الطمس إزالة أثر الشيء عن طريق محوه. يقال : طمست الشيء طمسا ـ من باب ضرب ـ بمعنى محوته وأزلت أثره ، والمطموس والطميس الأعمى. ومفعول المشيئة محذوف. والصراط : الطريق وهو منصوب بنزع الخافض.
أى : ولو نشاء طمس أعينهم بأن نمحو عنها الرؤية والإبصار لفعلنا ، ولكنا لم نفعل بهم ذلك فضلا منا عليهم ، ورحمة بهم ، فكان من الواجب عليهم أن يقابلوا نعمنا بالشكر لا بالكفر.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) معطوف على (لَطَمَسْنا) على سبيل الفرض.
أى : لو نشاء محو أبصارهم لمحوناها ، فلو أرادوا في تلك الحالة المبادرة إلى الطريق ليسيروا فيه ، أو ليعبروه لما استطاعوا ذلك. لأنهم كيف يستطيعون ذلك وهم لا يبصرون شيئا.
فالاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) لاستبعاد اجتيازهم الطريق ، ونفى قدرتهم على التصرف.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ ، فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) والمسخ : تبديل الخلقة وتحويلها من حال إلى حال ، ومن هيئة إلى هيئة.
أى : وفي قدرتنا إذا شئنا ، أن نغير صورهم الإنسانية إلى صور أخرى قبيحة ، كأن نحولهم إلى قردة أو حيوانات وهم (عَلى مَكانَتِهِمْ) أى : وهم في مكانهم الذي يقيمون فيه (فَمَا اسْتَطاعُوا) بسبب هذا المسخ (مُضِيًّا) أى : ذهابا إلى مقاصدهم (وَلا يَرْجِعُونَ) أى : ولما استطاعوا ـ أيضا ـ إذا ذهبوا أن يرجعوا.
أى : في إمكاننا أن نمسخهم وهم جالسون في أماكنهم ، فلا يقدرون أن يمضوا إلى الأمام ، أو أن يعودوا إلى الخلف.
فالمقصود بالآيتين الكريمتين تهديدهم على استمرارهم في كفرهم ، وبيان أنهم تحت قدرة الله ـ تعالى ـ وفي قبضته ، وأنه ـ سبحانه ـ قادر على أن يفعل بهم ما يشاء من طمس للأبصار ، ومن مسخ للصور ، ومن غير ذلك مما يريده ـ تعالى ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ أحوال الإنسان عند ما يتقدم به العمر فقال : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ).
وقوله : (نُعَمِّرْهُ) من التعمير ، بمعنى إطالة العمر.
قال القرطبي : وقوله : (نُنَكِّسْهُ) قرأه عاصم وحمزة ـ بضم النون الأولى وتشديد