أى : وما علّمنا الرسول صلىاللهعليهوسلم الشعر وإنما الذي علمناه إياه هو القرآن الكريم ، المشتمل على ما يسعد الناس في دنياهم وفي آخرتهم.
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ، نفى أن يكون القرآن شعرا بأبلغ وجه لأن الذي علمه الله ـ تعالى ـ لنبيه هو القرآن وليس الشعر ، وما دام الأمر كذلك فالقرآن ليس شعرا.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَما يَنْبَغِي لَهُ). أى : ما علمناه الشعر ، وإنما علمناه القرآن ، فقد اقتضت حكمتنا أن لا نعجل الشعر في طبعه صلىاللهعليهوسلم ولا في سليقته ، فحتى لو حاوله ـ على سبيل الفرض ـ فإنه لا يتأتى له ، ولا يسهل عليه ولا يستقيم مع فطرته صلىاللهعليهوسلم.
والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) يعود إلى القرآن الكريم :
أى : ما هذا القرآن الكريم إلا ذكر من الأذكار النافعة ، والمواعظ الناجحة ، والتوجيهات الحكيمة ، وهو في الوقت نفسه (قُرْآنٌ مُبِينٌ) أى : كتاب مقروء من الكتب السماوية الواضحة ، التي لا تختلط ولا تلتبس بكلام البشر.
وقد أنزلناه على الرسول الكريم (لِيُنْذِرَ) به (مَنْ كانَ حَيًّا).
أى : من كان مؤمنا عاملا ذا قلب حي ، ونفس نقية ، وأذن واعية ، لأن من كانت هذه صفاته انتفع بالإنذار والتذكير.
(وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) أى : أن من كان ذا قلب فإنه ينتفع بالإنذار ، أما من كان مصرا على كفره وضلاله ، فإن كلمة العذاب قد حقت عليه ، وصارت نهايته الإلقاء به في جهنم وبئس القرار.
وقد تكلم المفسرون هنا كلاما مفصلا. عن كون القرآن ليس شعرا ، وكون الرسول صلىاللهعليهوسلم ليس شاعرا ، وعلى رأسهم صاحب الكشاف فقد قال ما ملخصه : كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إنه شاعر. فرد عليهم بقوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) أى : أن القرآن ليس بشعر ، وأين هو من الشعر. والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى ، فأين الوزن؟ وأين التقفية؟
وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء من معانيه؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه ...
(وَما يَنْبَغِي لَهُ) أى : وما يصح له ، ولا يتطلبه إن طلبه ، أى : جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ، ولم يتسهل كما جعلناه أميا .. لتكون الحجة أثبت ، والشبهة أدحض ...