وسموا بذلك لشرفهم ، ولأنهم في جهة العلو ، بخلاف غيرهم فإنهم يسكنون الأرض.
وقوله : (وَيُقْذَفُونَ) من القذف بمعنى الرجم والرمي ، و (دُحُوراً) مفعولا لأجله ، أى : يقذفون لأجل الدّحور ، وهو الطرد والإبعاد ، مصدر دحره يدحره دحرا ودحورا : إذا طرده وأبعده.
والواصب : الدائم ، من الوصوب بمعنى الدوام ، يقال : وصب الشيء يصب وصوبا ، إذا دام وثبت ، ومنه قوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أى : دائما ثابتا.
والمعنى : إنا زينا السماء الدنيا بنور الكواكب ، وحفظناها ـ بقدرتنا ورعايتنا ـ من كل شيطان متجرد من الخير ، فإن هذا الشيطان وأمثاله كلما حاولوا الاستماع إلى الملائكة في السماء ، لم نمكنهم من ذلك ، بل قذفناهم ورجمناهم بالشهب والنيران من كل جانب من جوانب السماء ، من أجل أن ندمرهم ونطردهم ونبعدهم عنها ، ولهم منا ـ فوق كل ذلك ـ عذاب دائم ثابت لا نهاية له.
وقوله : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) استثناء من الواو في «يسمعون» و «من» في محل بدل من الواو.
والخطف : الأخذ للشيء بسرعة وخفية واختلاس وغفلة من المأخوذ منه.
أى : لا يسمع الشياطين إلى الملأ الأعلى ، إلا الشيطان الذي خطف الخطفة من كلام الملائكة بسرعة وخفة ، فيما يتفاوضون فيه من أحوال البشر ـ دون ما يتعلق بالوحي ـ فإنه في هذه الحالة يتبع هذا الشيطان ويلحقه (شِهابٌ ثاقِبٌ) أى : شعلة من النار تثقب الجو بضوئها فتهلكه وتحرقه وتثقبه وتمزقه.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ. فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (١).
ومما يدل على أن استراقهم للسمع ، واختطافهم للخطفة ، إنما يكون في غير الوحى ، قوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (٢).
وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : كانت للشياطين مقاعد في السماء فكانوا يستمعون الوحى قال : وكانت النجوم لا تجرى ، وكانت الشياطين لا ترمى. قال : فإذا سمعوا الوحى نزلوا إلى الأرض ، فزادوا في الكلمة تسعا. قال : فلما بعث رسول
__________________
(١) سورة الجن الآيتان ٨ ، ٩.
(٢) سورة الشعراء الآية ٢١٢.