كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) (١).
ومما لا شك أن منظر السماء وهي مليئة بالنجوم ، يشرح الصدور ، ويؤنس النفوس ، وخصوصا للسائرين في فجاج الأرض ، أو ظلمات البحر.
قوله ـ سبحانه ـ : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) بيان لما أحاط به ـ سبحانه ـ السماء الدنيا من حفظ ورعاية.
ولفظ «حفظا» منصوب على المصدرية بإضمار فعل قبله. أى وحفظناها حفظا ، أو معطوف على محل «بزينة».
والشيطان : كل متمرد من الجن والإنس والدواب. والمراد به هنا : المتمرد من الجن.
والمارد : الشديد العتو والخروج عن طاعة الله ـ تعالى ـ المتعرى من كل خير.
أى : إنا جعلنا السماء الدنيا مزينة بالكواكب وضيائها ، وجعلناها كذلك محفوظة من كل شيطان متجرد من الخير ، خارج عن طاعتنا ورحمتنا.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ، وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) جملة مستأنفة لبيان حالهم عند حفظ السماء ، وبيان كيفية الحفظ ، وما يصيبهم من عذاب وهلاك إذا ما حاولوا استراق السمع منها.
ولفظ «يسّمّعون» بتشديد السين ـ وأصله يتسمعون. فأدغمت التاء في السين والضمير للشياطين ، وقرأ الجمهور (لا يَسَّمَّعُونَ) بإسكان السين.
قال صاحب الكشاف : الضمير في «لا يسمعون» لكل شيطان ، لأنه في معنى الشياطين ، وقرئ بالتخفيف والتشديد. وأصله «يتسمعون». والتسمع : تطلب السماع. يقال : تسمع فسمع. أو فلم يسمع.
فإن قلت : أى فرق بين سمعت فلانا يتحدث ، وسمعت إليه يتحدث. وسمعت حديثه ، وإلى حديثه؟
قلت : المعدى بنفسه يفيد الإدراك ، والمعد بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك (٢).
والملأ في الأصل : الجماعة يجتمعون على أمر فيملئون النفوس هيبة ، والمراد بالملإ الأعلى هنا : الملائكة الذين يسكنون السماء.
__________________
(١) سورة الملك آية ٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٥.