لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦١)
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : علام عطف قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ)؟
قلت ؛ هو معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) والمعنى : يشربون فيتحادثون على الشراب كعادة الشاربين.
قال الشاعر :
وما بقيت من اللذات إلا |
|
أحاديث الكرام على المدام |
فيقبل بعضهم على بعض (يَتَساءَلُونَ) عما جرى لهم وعليهم في الدنيا. إلا أنه جيء به ماضيا على عادة الله في أخباره (١).
أى : أن هؤلاء العباد المخلصين ، بعد أن أعطاهم الله ما أعطاهم من النعم ، أقبل بعضهم على بعض (يَتَساءَلُونَ) فيما بينهم عن ذكرياتهم ، وإذا بواحد منهم يقول لإخوانه ـ من باب التحدث بنعمة الله :
(إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) أى : إنى في الدنيا كان لي صديق ملازم لي ، ينهاني عن الإيمان ـ بالبعث والحساب ، ويقول لي ـ بأسلوب التهكم والاستهزاء :
(أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) أى : أإنك ـ أيها الرجل ـ لمن المصدقين بأن هناك بعثا وحسابا ، وثوابا وعقابا ، وجنة ونارا.
ثم يضيف إلى ذلك قوله : (أَإِذا مِتْنا) وانتهت حياتنا في هذه الدنيا ، ووضعنا في قبورنا (وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً) أى : وصارت أجسادنا مثل التراب ومثل العظام البالية. (أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) أى : أإنا بعد كل ذلك لمبعوثون ومعادون إلى الحياة مرة أخرى ، ومجزيون بأعمالنا. فقوله ـ تعالى ـ : (لَمَدِينُونَ) من الدين بمعنى الجزاء ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) والاستفهام : للاستبعاد والإنكار من ذلك القرين للبعث والحساب.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤٤.