(وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) أى : وجعلنا ذريته من بعده هم الذين بقوا وبقي نسلهم من بعدهم ، وذلك لأن الله ـ تعالى ـ أهلك جميع الكافرين من قومه ، أما من كان معه من المؤمنين من غير ذريته ، فقد قيل إنهم ماتوا ، ولم يبق سوى أولاده.
قال ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) : قال ابن عباس : لم تبق إلا ذرية نوح.
وقال قتادة : الناس كلهم من ذرية نوح.
وروى الترمذي وابن جرير وابن أبى حاتم عن سمرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) قال : «هم سام ، وحام ، ويافث».
وروى الإمام أحمد ـ بسنده ـ عن سمرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سام أبو العرب ، وحام أبو الحبش ، ويافث أبو الروم» (١).
(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ. سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) أى : وأبقينا عليه في الأمم التي ستأتى من بعده إلى يوم القيامة ، الذكر الحسن ، والكلمة الطيبة ألا وهي قولهم : سلام على نوح في العالمين ، أى : تحية وأمان وثناء جميل على نوح في العالمين.
وقوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) تعليل لما منحه ـ سبحانه ـ لعبده نوح من نعم وفضل وإجابة دعاء.
أى : مثل ذلك الجزاء الكريم الذي جازينا به نوحا ـ عليهالسلام ـ نجازي كل من كان محسنا في أقواله وأفعاله. وإن عبدنا نوحا قد كان من عبادنا الذين بلغوا درجة الكمال في إيمانهم وإحسانهم.
قال صاحب الكشاف : قوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) أى من الأمم هذه الكلمة ، وهي : «سلام على نوح» يعنى : يسلمون عليه تسليما ويدعون له. فإن قلت : فما معنى قوله : (فِي الْعالَمِينَ).
قلت : معناه الدعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعا ، وأن لا يخلو أحد منهم منها ، كأنه قيل : ثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين ، يسلمون عليه عن آخرهم.
علل ـ سبحانه ـ مجازاة نوح بتلك التكرمة السنية ، من تبقية ذكره ، وتسليم العالمين عليه إلى آخر الدهر ، بأنه كان محسنا ، ثم علل كونه محسنا ، بأنه كان عبدا مؤمنا ، ليريك جلالة
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٩.