بالانفضاض إلى اللهو ، وقيل غير ذلك : (وَتَرَكُوكَ قائِماً) أي : على المنبر ، ثم أمره الله سبحانه أن يخبرهم بأن العمل للآخرة خير من العمل للدنيا ، فقال : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) يعني من الجزاء العظيم وهو الجنة (خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) اللذين ذهبتم إليهما وتركتم البقاء في المسجد وسماع خطبة النبي صلىاللهعليهوسلم لأجلها (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فمنه اطلبوا الرزق ، وإليه توسّلوا بعمل الطاعة ، فإن ذلك من أسباب تحصيل الرزق وأعظم ما يجلبه.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن أبي هريرة قال : «قلت : يا رسول الله لأيّ شيء سمي يوم الجمعة؟ قال : لأن فيه جمعت طينة أبيكم آدم ، وفيه الصعقة والبعثة ، وفي آخره ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها بدعوة استجاب له». وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن سلمان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتدري ما يوم الجمعة؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قالها ثلاث مرات ، ثم قال في الثالثة : هو اليوم الّذي جمع الله فيه أباكم آدم ، أفلا أحدّثكم عن يوم الجمعة» الحديث. وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» وفي الباب أحاديث مصرحة بأنه خلق فيه آدم.
وورد في فضل يوم الجمعة أحاديث كثيرة ، وكذلك في فضل صلاة الجمعة وعظيم أجرها ، وفي الساعة التي فيها ، وأنه يستجاب الدعاء فيها ، وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، عن خرشة بن الحرّ قال : رأى معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت : أبيّ بن كعب ، قال : إنّ أبيّا أقرأنا للمنسوخ اقرأها : «فامضوا إلى ذكر الله» وروى هؤلاء ما عدا أبا عبيد عن ابن عمر قال : لقد توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما نقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلا «فامضوا إلى ذكر الله» ، وأخرجه عنه أيضا الشافعي في الأمّ ، وعبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم. وأخرجوا كلهم أيضا عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : «فامضوا إلى ذكر الله» قال : ولو كان فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي. وأخرج عبد بن حميد عن أبيّ بن كعب أنه قرأ كذلك. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) قال : فامضوا. وأخرج عبد ابن حميد عنه أن السعي : العمل. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب : أن رجلين من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم كانا يختلفان في تجارتهما إلى الشام ، فربما قدما يوم الجمعة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب فيدعونه ويقومون ، فنزلت الآية : (وَذَرُوا الْبَيْعَ) فحرم عليهم ما كان قبل ذلك. وأخرج ابن جرير عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) قال : ليس لطلب دنيا ، ولكن عيادة مريض ، وحضور جنازة ، وزيارة أخ في الله». وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : لم تؤمروا بشيء من طلب الدنيا إنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله. وأخرج