لها ولا سكنى ، وهذا هو الحق ، وقد قررته في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره. (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) نهى سبحانه عن مضارتهن بالتضييق عليهن في المسكن والنفقة. وقال مجاهد : في المسكن. وقال مقاتل : في النفقة. وقال أبو الضحى : هو أن يطلّقها ، فإذا بقي يومان من عدّتها راجعها ، ثم طلّقها. (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) أي : إلى غاية هي وضعهن للحمل. ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة ؛ فأما الحامل المتوفى عنها زوجها ، فقال علي وابن عمر وابن مسعود وشريح والنخعي والشعبي وحماد وابن أبي ليلى وسفيان وأصحابه : ينفق عليها من جميع المال حتى تضع. وقال ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه : لا ينفق عليها إلا من نصيبها ، وهذا هو الحق للأدلة الواردة في ذلك من السنة (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) أولادكم بعد ذلك (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : أجور إرضاعهن ، والمعنى : أن المطلقات إذا أرضعن أولاد الأزواج المطلقين لهن منهن فلهن أجورهن على ذلك (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) هو خطاب للأزواج والزوجات ، أي : تشاوروا بينكم بما هو معروف غير منكر ، وليقبل بعضكم من بعض [ما أمره به] (١) من المعروف الجميل ، وأصل معناه ليأمر بعضكم بعضا بما هو متعارف بين الناس غير منكر عندهم. قال مقاتل : المعنى ليتراض الأب والأم على أجر مسمّى ، قيل : والمعروف الجميل من الزوج أن يوفّر لها الأجر ، والمعروف الجميل منها أن لا تطلب ما يتعاسره الزوج من الأجر (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) أي : في أجر الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم الأجر ، وأبت الأم أن ترضعه إلا بما تريد من الأجر (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) أي : يستأجر مرضعة أخرى ترضع ولده ، ولا يجب عليه أن يسلم ما تطلبه الزوجة ، ولا يجوز له أن يكرهها على الإرضاع بما يريد من الأجر. قال الضحاك : إن أبت الأم أن ترضع استأجر لولده أخرى ، فإن لم تقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) فيه الأمر لأهل السعة بأن يوسعوا على المرضعات من نسائهم على قدر سعتهم (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي : كان رزقه بمقدار القوت ، أو مضيق ليس بموسع (فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) أي : ممّا أعطاه من الرزق ليس عليه غير ذلك (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) أي : ما أعطاها من الرزق ، فلا يكلّف الفقير بأن ينفق ما ليس في وسعه ، بل عليه ما يقدر عليه وتبلغ إليه طاقته مما أعطاه الله من الرزق (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) أي : بعد ضيق وشدة سعة وغنى.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (مِنْ وُجْدِكُمْ) قال : من سعتكم (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) قال : في المسكن. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) الآية ، قال : فهذه في المرأة يطلّقها زوجها وهي حامل ، فأمره الله أن يسكنها وينفق عليها حتى تضع ، وإن أرضعت حتى تفطم ، فإن أبان طلاقها وليس بها حمل فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ولا نفقة لها. وأخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال : سأل عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة ، فقيل : إنه يلبس الغليظ من الثياب ويأكل
__________________
(١). من تفسير القرطبي (١٨ / ١٦٩)