قوله : (فَلا أُقْسِمُ) «لا» زائدة كما تقدّم قريبا ، والمعنى : فأقسم (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) يعني : مشرق كل يوم من أيام السنة ومغربه. قرأ الجمهور : (الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) بالجمع وقرأ أبو حيوة وابن محيصن وحميد بالإفراد (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أي : على أن نخلق أمثل منهم ، وأطوع لله ، حين عصوه ، ونهلك هؤلاء (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي : بمغلوبين إن أردنا ذلك ، بل نفعل ما أردنا لا يفوتنا شيء ولا يعجزنا أمر ، ولكن مشيئتنا وسابق علمنا اقتضيا تأخير عقوبة هؤلاء ، وعدم تبديلهم بخلق آخر (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) أي : اتركهم يخوضوا في باطلهم ، ويلعبوا في دنياهم ، واشتغل بما أمرت به ، ولا يعظمنّ عليك ما هم فيه ، فليس عليك إلا البلاغ (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة ، وهذه الآية منسوخة بآية السيف. قرأ الجمهور : «يلاقوا» ، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وحميد ومجاهد «حتى يلقوا» (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) «يوم» بدل من «يومهم» ، و «سراعا» منتصب على الحال من ضمير «يخرجون» ، قرأ الجمهور : يخرجون على البناء للفاعل ، وقرأ السّلمي والأعمش والمغيرة وعاصم في رواية على البناء للمفعول ، والأجداث : جمع جدث ، وهو القبر (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قرأ الجمهور : نصب بفتح النون وسكون الصاد. وقرأ ابن عامر وحفص : بضم النون والصاد ، وقرأ عمرو بن ميمون وأبو رجاء بضم النون وإسكان الصاد. قال في الصحاح : والنّصب : ما نصب فعبد من دون الله ، وكذا النّصب بالضم ، وقد يحرّك. قال الأعشى :
وذا النّصب المنصوب لا تعبدنّه |
|
ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا (١) |
والجمع : الأنصاب ، وقال الأخفش والفراء : النّصب جمع النّصب ، مثل رهن ورهن ، والأنصاب : جمع النّصب ، فهو جمع الجمع ، وقيل : النّصب جمع نصاب ، وهو حجر أو صنم يذبح عليه ، ومنه قوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) وقال النحاس : نصب ونصب [ونصب] (٢) بمعنى واحد ، وقيل : معنى (إِلى نُصُبٍ) إلى غاية ، وهي التي تنصب إليها بصرك ، وقال الكلبي : إلى شيء منصوب علم أو راية ، أي : كأنّهم إلى علم يدعون إليه ، أو راية تنصب لهم يوفضون ، قال الحسن : كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوي أوّلهم على آخرهم. وقال أبو عمرو : النصب : شبكة الصائد يسرع إليها عند وقوع الصيد فيها مخافة انفلاته. ومعنى (يُوفِضُونَ) : يسرعون ، والإيفاض : الإسراع. يقال : أوفض إيفاضا : أي أسرع إسراعا ، ومنه قول الشاعر :
فوارس ذبيان تحت الحدي |
|
د كالجنّ يوفضن من عبقر |
__________________
(١). الّذي في تفسير القرطبي (١٨ / ٢٩٦) :
وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه |
|
لعافية والله ربّك فاعبدا |
(٢). من تفسير القرطبي (١٨ / ٢٩٧)