محذوف ، أي : الأمر ذلك ، وقيل : في محل نصب على المفعولية بتقدير فعل ، أي : افعلوا ذلك ، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره محذوف يدلّ عليه ما تقدّم ، أي : ذلك حكم الكفار ، ومعنى «لو يشاء الله لانتصر منهم» أي : قادر على الانتصار منهم بالانتقام منهم وإهلاكهم وتعذيبهم بما شاء من أنواع العذاب (وَلكِنْ) أمركم بحربهم (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) أي : ليختبر بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين في سبيله والصابرين على ابتلائه ويجزل ثوابهم ويعذب الكفار بأيديهم (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) قرأ الجمهور «قاتلوا» مبنيا للفاعل ، وقرأ أبو عمرو وحفص (قُتِلُوا) مبنيا للمفعول ، وقرأ الحسن بالتشديد مبنيا للمفعول أيضا. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وأبو حيوة «قتلوا» على البناء للفاعل مع التخفيف من غير ألف ، والمعنى على القراءة الأولى. والرابعة : أن المجاهدين في سبيل الله ثوابهم غير ضائع ، وعلى القراءة الثانية والثالثة : أن المقتولين في سبيل الله كذلك لا يضيع الله سبحانه أجرهم. قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد. ثم ذكر سبحانه ما لهم عنده من جزيل الثواب فقال : (سَيَهْدِيهِمْ) أي : سيهديهم الله سبحانه إلى الرشد في الدنيا ، ويعطيهم الثواب في الآخرة (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) أي : حالهم وشأنهم وأمرهم. قال أبو العالية : قد ترد الهداية ، والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطريق المفضية إليها ، وقال ابن زياد : يهديهم إلى محاجّة منكر ونكير (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) أي : بيّنها لهم حتى عرفوها من غير استدلال ، وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة تفرّقوا إلى منازلهم. قال الواحدي : هذا قول عامة المفسرين. وقال الحسن : وصف الله لهم الجنة في الدنيا ، فلما دخلوها عرفوها بصفتها. وقيل : فيه حذف ، أي : عرفوا طرقها ومساكنها وبيوتها. وقيل : هذا التعريف بدليل يدلّهم عليها ، وهو الملك الموكل بالعبد يسير بين يديه حتى يدخله منزله ، كذا قال مقاتل. وقيل : معنى «عرفها لهم» : طيبها بأنواع الملاذّ ، مأخوذ من العرف ، وهو الرائحة. ثم وعدهم سبحانه على نصر دينه بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) أي : إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار ويفتح لكم ، ومثله قوله : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) (١) قال قطرب : إن تنصروا نبيّ الله ينصركم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) أي : عند القتال. وتثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في مواطن الحرب ، وقيل : على الإسلام ، وقيل : على الصراط (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) الموصول في محل رفع على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف تقديره فتعسوا بدليل ما بعده ، ودخلت الفاء تشبيها للمبتدأ بالشرط ، وانتصاب تعسا على المصدر للفعل المقدّر خبرا. قال الفراء : مثل سقيا لهم ورعيا ، وأصل التعس الانحطاط والعثار. قال ابن السّكّيت : التعس : أن يجرّ على وجهه ، والنكس : أن يجر على رأسه ، قال : والتعس أيضا الهلاك. قال الجوهري : وأصله الكبّ وهو ضد الانتعاش ، ومنه قول مجمّع بن هلال :
تقول وقد أفردتها من خليلها |
|
تعست كما أتعستني يا مجمّع |
قال المبّرد : أي : فمكروها لهم ، وقال ابن جريج : بعدا لهم ، وقال السدّي : خزيا لهم. وقال ابن زيد :
__________________
(١). الحج : ٤٠.