كأنّ سبيئة من بيت رأس |
|
كان مزاجها عسل وماء |
وقول عمرو بن كلثوم :
صددت الكأس عنّا أمّ عمرو |
|
وكان الكأس مجراها اليمينا |
معتّقة (١) كأنّ الحصّ (٢) فيها |
|
إذا ما الماء خالطها سخينا |
ومنه مزاج البدن ، وهو ما يمازجه من الأخلاط ، و (كافُوراً) قيل : هو اسم عين في الجنة يقال لها الكافور تمزج خمر الجنة بماء هذه العين. وقال قتادة ومجاهد : تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك. وقال عكرمة : مزاجها طعمها ، وقيل : إنما الكافور في ريحها لا في طعمها. وقيل : إنما أراد الكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده ، لأن الكافور لا يشرب كما في قوله : (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) (٣) أي ك : نار. وقال ابن كيسان : طيبها المسك والكافور والزنجبيل. وقال مقاتل : ليس هو كافور الدنيا ، وإنما سمى الله ما عنده بما عندكم حتى تهتدي له القلوب ، والجملة في محل جرّ صفة لكأس. وقيل : إن كان هنا زائدة ، أي : من كأس مزاجها كافورا (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) انتصاب عينا على أنها بدل من (كافُوراً) ، لأن ماءها في بياض الكافور. وقال مكي : إنها بدل من محل (مِنْ كَأْسٍ) على حذف مضاف ، كأنه قيل : يشربون خمرا خمر عين ، وقيل : إنها منتصبة على أنها مفعول يشربون ، أي : عينا من كأس ، وقيل : هي منتصبة على الاختصاص ، قاله الأخفش ، وقيل : منتصبة بإضمار فعل يفسره ما بعده ، أي : يشربون عينا يشرب بها عباد الله ، والأوّل أولى ، وتكون وجملة (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) صفة لعينا. وقيل : إن الباء في (يَشْرَبُ بِها) زائدة ، وقيل : بمعنى من ، قاله الزجاج ، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة «يشربها عباد الله». وقيل : إن يشرب مضمن معنى يلتذّ ، وقيل : هي متعلقة بيشرب ، والضمير يعود إلى الكأس. وقال الفراء : يشربها ويشرب بها سواء في المعنى ، وكأنّ يشرب بها يروى بها وينتفع بها ، وأنشد قول الهذلي :
شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت (٤)
قال : ومثله تكلم بكلام حسن ، وتكلم كلاما حسنا (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) أي : يجرونها إلى حيث يريدون وينتفعون بها كما يشاءون ، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يريدون وصوله إليه ، فهم يشقّونها شقّا كما يشقّ النهر ويفجر إلى هنا وهنا. قال مجاهد : يقودونها حيث شاؤوا ، وتتبعهم حيث مالوا مالت معهم ، والجملة صفة أخرى لعينا ، وجملة (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) مستأنفة مسوقة لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر. وكذا ما عطف عليها ، ومعنى النذر في اللغة الإيجاب ، والمعنى : يوفون بما أوجبه الله عليهم من الطاعات. قال قتادة ومجاهد : ويوفون بطاعة الله
__________________
(١). في شرح المعلقات السبع : مشعشعة.
(٢). «الحص» : الورس ، وهو نبت له نوار أحمر ؛ يشبه الزعفران.
(٣). الكهف : ٩٦.
(٤). وعجز البيت : متى لجج خضر لهنّ نئيج. و «نئيج» : أي : مرّ سريع مع صوت.