ويروى : ما ظهر ، أي : لم يطلع القمر. وقد تقدّم تفسير هذا في سورة مريم. (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) قرأ الجمهور «دانية» بالنصب عطفا على محل «لا يرون» ، أو على «متكئين» ، أو صفة لمحذوف ، أي : وجنة دانية ، كأنه قال : وجزاهم جنة دانية. وقال الزجاج : هو صفة لجنة المتقدّم ذكرها. وقال الفرّاء : هو منصوب على المدح. وقرأ أبو حيوة «ودانية» بالرفع على أنه خبر مقدّم ، وظلالها مبتدأ مؤخر ، والجملة في موضع النصب على الحال. والمعنى : أن ظلال الأشجار قريبة منهم ، مظلة عليهم ، زيادة في نعيمهم وإن كان لا شمس هنالك. قال مقاتل : يعني شجرها قريب منهم. وقرأ ابن مسعود : «ودانيا عليهم». (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) معطوف على دانية ، كأنه قال : ومذللة. ويجوز أن تكون الجملة في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم ، ويجوز أن تكون مستأنفة ، والقطوف : الثمار ، والمعنى : أنها سخرت ثمارها لمتناوليها تسخيرا كثيرا ، بحيث يتناولها القائم والقاعد والمضطجع ، لا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شوك. قال النحاس : المذلّل : القريب المتناول ، ومنه قولهم : حائط ذليل ، أي : قصير. قال ابن قتيبة : (ذُلِّلَتْ) : أدنيت ، من قولهم حائط ذليل ، أي : كان قصير السّمك. وقيل : (ذُلِّلَتْ) أي : جعلت منقادة ، لا تمتنع على قطّافها كيف شاؤوا (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) أي : يدور عليهم الخدم إذا أرادوا الشراب بآنية الفضة ، والأكواب : جمع كوب ، وهو الكوز العظيم الّذي لا أذن له ولا عروة ، ومنه قول عديّ :
متّكئا تقرع أبوابه |
|
يسعى عليه العبد بالكوب |
وقد مضى تفسيره في سورة الزخرف (كانَتْ قَوارِيرَا ـ قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) أي : في صفاء القوارير وفي بياض الفضة ، فصفاؤها صفاء الزجاج ولونها لون الفضة. قرأ نافع والكسائي وأبو بكر (قَوارِيرَا ـ قَوارِيرَا) بالتنوين فيهما مع الوصل ، وبالوقف عليهما بالألف ، وقد تقدم وجه هذه القراءة في تفسير قوله : سلاسلا من هذه السورة ، وبينا هنالك وجه صرف ما فيه صيغة منتهى الجموع فارجع إليه. وقرأ حمزة بعدم التنوين فيهما وعدم الوقف بالألف ، ووجه هذه القراءة ظاهر ؛ لأنهما ممتنعان لصيغة منتهى الجموع. وقرأ هشام بعدم التنوين فيهما مع الوقف عليهما بالألف ، وقرأ ابن كثير بتنوين الأوّل دون الثاني والوقف على الأوّل بالألف دون الثاني. وقرأ أبو عمرو وحفص وابن ذكوان بعدم التنوين فيهما ، والوقف على الأوّل بالألف دون الثاني ، والجملة في محل جرّ صفة لأكواب. قال أبو البقاء : وحسن التكرير لما اتصل به من بيان أصلها. قال الواحدي : قال المفسرون : جعل الله قوارير أهل الجنة من فضة ، فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير. قال الزجاج : القوارير التي في الدنيا من الرمل ، فأعلم الله فضل تلك القوارير أن أصلها من فضة يرى من خارجها ما في داخلها ، وجملة (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) صفة لقوارير. قرأ الجمهور : «قدّروها» بفتح القاف على البناء للفاعل ، أي : قدّرها السّقاة من الخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة من دون زيادة ولا نقصان. قال مجاهد وغيره : أتوا بها على قدر ريّهم بغير زيادة ولا نقصان. قال الكلبي : وذلك ألذّ وأشهى ، وقيل : قدّرها الملائكة ، وقيل : قدّرها أهل الجنة الشاربون على مقدار شهواتهم