واختلف في الروح ؛ فقيل : إنه ملك من الملائكة أعظم من السماوات السبع ومن الأرضين السبع ومن الجبال ، وقيل : هو جبريل ، قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير. وقيل : الروح جند من جنود الله ليسوا ملائكة ، قاله أبو صالح ومجاهد ، وقيل : هم أشراف الملائكة ، قاله مقاتل بن حيان. وقيل : هم حفظة على الملائكة ، قاله ابن أبي نجيح. وقيل : هم بنو آدم ، قاله الحسن وقتادة. وقيل : هم أرواح بني آدم تقوم صفا وتقوم الملائكة صفا ، وذلك بين النفختين قبل أن تردّ إلى الأجسام ، قاله عطية العوفي. وقيل : إنه القرآن ، قاله زيد بن أسلم. وقوله : (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) يجوز أن يكون بدلا من ضمير يتكلمون ، وأن يكون منصوبا على أصل الاستثناء ، والمعنى : لا يشفعون لأحد إلا من أذن له الرّحمن بالشفاعة ، أو لا يتكلّمون إلا في حقّ من أذن له الرّحمن (وَ) كان ذلك الشخص ممّن (قالَ صَواباً) قال الضحاك ومجاهد : (صَواباً) يعني حقا. وقال أبو صالح : لا إله إلا الله. وأصل الصواب السداد من القول والفعل. قيل : (لا يَتَكَلَّمُونَ) يعني الملائكة والروح الذين قاموا صفا هيبة وإجلالا إلا من أذن له الرّحمن منهم في الشفاعة ، وهم قد قالوا صوابا. قال الحسن : إن الروح يقول يوم القيامة لا يدخل أحد الجنة إلا بالرحمة ، ولا النار إلا بالعمل. قال الواحدي : فهم (لا يَتَكَلَّمُونَ) يعني الخلق كلهم إلا من أذن له الرّحمن وهم المؤمنون والملائكة ، (وَقالَ) في الدنيا (صَواباً) أي : شهد بالتوحيد ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى يوم قيامهم على تلك الصفة ، وهو مبتدأ وخبره (الْيَوْمُ الْحَقُ) أي الكائن الواقع المتحقق (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) أي : مرجعا يرجع إليه بالعمل الصالح ؛ لأنه إذا عمل خيرا قرّبه إلى الله ، وإذا عمل شرّا باعده منه ، ومعنى (إِلى رَبِّهِ) إلى ثواب ربه ، قال قتادة : (مَآباً) : سبيلا. ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) يعني العذاب في الآخرة ، وكلّ ما هو آت فهو قريب ، ومثله قوله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) (١) كذا قال الكلبي وغيره. وقال قتادة : هو عذاب الدنيا لأنه أقرب العذابين. قال مقاتل : هو قتل قريش ببدر ، والأوّل أولى لقوله : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) فإن الظرف إما بدل من عذاب ، أو ظرف لمضمر هو صفة له ، أي : عذابا كائنا (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ) أي : يشاهد ما قدّمه من خير أو شرّ ، و «ما» موصولة أو استفهامية. قال الحسن : والمرء هنا هو المؤمن ، أي : يجد لنفسه عملا ، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملا فيتمنى أن يكون ترابا ، وقيل : المراد به الكافر على العموم ، وقيل : أبيّ بن خلف وعقبة بن أبي معيط ، والأوّل أولى لقوله : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) فإن الكافر واقع في مقابلة المرء ، والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون ترابا لما يشاهده مما قد أعدّه الله له من أنواع العذاب ، والمعنى : أنه يتمنى أنه كان ترابا في الدنيا فلم يخلق ، أو ترابا يوم القيامة. وقيل : المراد بالكافر أبو جهل ، وقيل : أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وقيل : إبليس ، والأوّل أولى اعتبارا بعموم اللفظ ، ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدّم غير مرّة.
__________________
(١). النازعات : ٤٦.