قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) قال : أعمالهم خبثهم والحسد الّذي في قلوبهم ، ثم دلّ الله تعالى النبي صلىاللهعليهوسلم بعد على المنافقين ، فكان يدعو باسم الرجل من أهل النفاق. وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري في قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) قال : ببغضهم عليّ بن أبي طالب.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) المراد بهؤلاء هم المنافقون ، وقيل : أهل الكتاب ، وقيل : هم المطعمون يوم بدر من المشركين ، ومعنى صدّهم عن سبيل الله : منعهم للناس عن الإسلام واتّباع الرسول صلىاللهعليهوسلم ومعنى (شَاقُّوا الرَّسُولَ) عادوه وخالفوه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) أي : علموا أنه صلىاللهعليهوسلم نبي من عند الله بما شاهدوا من المعجزات الواضحة والحجج القاطعة (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) بتركهم الإيمان وإصرارهم على الكفر وما ضرّوا إلا أنفسهم (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) أي : يبطلها ، والمراد بهذه الأعمال ما صورته صورة أعمال الخير كإطعام الطعام وصلة الأرحام وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير وإن كانت باطلة من الأصل ؛ لأن الكفر مانع ، وقيل : المراد بالأعمال المكائد التي نصبوها لإبطال دين الله ، والغوائل التي كانوا يبغونها برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم أمر سبحانه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أمرتم به من الشرائع المذكورة في كتاب الله وسنّة رسوله ، ثم نهاهم عن أن يبطلوا أعمالهم كما أبطلت الكفار أعمالها بالإصرار على الكفر ، فقال : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) قال الحسن : أي لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي. وقال الزهري : بالكبائر. وقال الكلبي وابن جريج : بالرياء والسمعة. وقال مقاتل : بالمنّ. والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال ، كائنا ما كان ، من غير تخصيص بنوع معين. ثم بيّن سبحانه أنه لا يغفر للمصرّين على الكفر والصدّ عن سبيل الله ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فقيّد سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر ؛ لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حيا ، وظاهر الآية العموم وإن كان السبب خاصا. ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف فقال : (فَلا تَهِنُوا) أي : تضعفوا عن القتال ، والوهن : الضعف (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي : ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء منكم ،