والثواب والعقاب (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) أي : بما يضمرونه في أنفسهم من التكذيب ، وقال مقاتل : يكتمون من أفعالهم. وقال ابن زيد : يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة ، مأخوذ من الوعاء الّذي يجمع ما فيه ، ومنه قول الشاعر :
الخير أبقى وإن طال الزمان به |
|
والشرّ أخبث ما أوعيت من زاد |
ويقال : وعاه : حفظه ، ووعيت الحديث أعيه وعيا ، ومنه : (أُذُنٌ واعِيَةٌ). (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي : اجعل ذلك بمنزلة البشارة لهم ؛ لأن علمه سبحانه بذلك على الوجه المذكور موجب لتعذيبهم ، والأليم : المؤلم الموجع ، والكلام خارج مخرج التهكّم بهم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) هذا الاستثناء منقطع ، أي : لكن الذين جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح لهم أجر عند الله غير ممنون ، أي : غير مقطوع ، يقال : مننت الحبل ؛ إذا قطعته ، ومنه قول الشاعر :
فترى خلفهنّ من سرعة الرّج |
|
ع منينا كأنّه أهباء |
قال المبرد : المنين : الغبار ؛ لأنها تقطعه وراءها ، وكل ضعيف منين وممنون. وقيل : معنى غير ممنون أنه لا يمنّ عليهم به ، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا إن أريد من آمن منهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب في قوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) قال : تنشقّ السماء من المجرّة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) قال : سمعت حين كلمها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) قال : أطاعت وحقّت بالطّاعة. وأخرج الحاكم عنه وصحّحه قال : سمعت وأطاعت (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) قال : يوم القيامة (وَأَلْقَتْ ما فِيها) قال : أخرجت ما فيها من الموتى (وَتَخَلَّتْ) عنهم. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا (وَأَلْقَتْ ما فِيها) قال : سواري الذهب. وأخرج الحاكم ـ قال السيوطي : بسند جيد ـ عن جابر قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «تمدّ الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ، ثم لا يكون لابن آدم فيها إلا موضع قدميه».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) قال : عامل عملا (فَمُلاقِيهِ) قال : فملاق عملك. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليس أحد يحاسب إلا هلك ، فقلت : أليس يقول الله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً)؟ قال : ليس ذلك بالحساب ولكن ذلك العرض ، ومن نوقش الحساب هلك». وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول في بعض صلاته : «اللهم حاسبني حسابا يسيرا ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال : أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه ، إنه من نوقش الحساب هلك» وفي بعض ألفاظ الحديث الأوّل وهذا الحديث الآخر : «من نوقش الحساب عذّب». وأخرج البزار ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث من كنّ فيه يحاسبه الله حسابا يسيرا ويدخله الجنة