مردويه عن عائشة قالت : «نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما إلى القمر لما طلع فقال : يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب». قال الترمذي : بعد إخراجه حسن صحيح ، وهذا لا ينافي قول الجمهور ، لأن القمر آية الليل ولا يوجد له سلطان إلا فيه ، وهكذا يقال في جواب من قال : إنه الثريا. قال ابن الأعرابي : في تأويل هذا الحديث : وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر. وقيل : الغاسق : الحية إذا لدغت. وقيل الغاسق : كلّ هاجم يضرّ كائنا من كان ، من قولهم غسقت القرحة ؛ إذا جرى صديدها. وقيل : الغاسق : هو السائل ، وقد عرّفناك أن الراجح في تفسير هذه الآية هو ما قاله أهل القول الأوّل ، ووجه تخصيصه أن الشرّ فيه أكثر ، والتحرز من الشرور فيه أصعب ، ومنه قولهم : الليل أخفى للويل (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) النفاثات : هنّ السواحر ، أي : ومن شر النفوس النفاثات ، أو النساء النفاثات ، والنفث : النفخ كما يفعل ذلك من يرقى ويسحر ، قيل : مع ريق ، وقيل : بدون ريق ، والعقد : جمع عقدة ، وذلك أنهنّ كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها ، ومنه قول عنترة :
فإن يبرأ فلم أنفث عليه |
|
وإن يفقد فحقّ له الفقود |
وقول متمّم بن نويرة :
نفثت في الخيط شبيه الرّقى |
|
من خشية الجنّة والحاسد |
قال أبو عبيدة : النفاثات هنّ بنات لبيد الأعصم اليهودي ، سحرن النبيّ صلىاللهعليهوسلم. قرأ الجمهور : (النَّفَّاثاتِ) جمع : نفاثة ؛ على المبالغة. وقرأ يعقوب وعبد الرّحمن بن سابط وعيسى بن عمر (النَّفَّاثاتِ) جمع : نافثة. وقرأ الحسن (النَّفَّاثاتِ) بضم النون. وقرأ أبو الربيع النفثات بدون ألف. (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) الحسد : تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على إيقاع الشرّ بالمحسود. قال عمر بن عبد العزيز : لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد. وقد نظم الشاعر هذا المعنى فقال :
قل للحسود إذا تنفّس طعنة |
|
يا ظالما وكأنّه مظلوم |
ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلىاللهعليهوسلم إلى الاستعاذة من شرّ كل مخلوقاته على العموم ، ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شرّه ومزيد ضرّه ، وهو الغاسق والنفاثات والحاسد ، فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشرّ حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر.
وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن عبسة قال : «صلى بنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقرأ : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) فقال : يا ابن عبسة أتدري ما الفلق؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : بئر في جهنم». وأخرجه ابن أبي حاتم من قول عمرو بن عبسة غير مرفوع. وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقرأ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) هل تدري ما الفلق؟ باب في النار إذا فتح سعرت جهنم». وأخرج ابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : «سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قول الله