وأما قوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) فعائد إلى الناس ، لا إلى أصحاب اليمين خاصة ، وإنما خصهم بذلك لأنهم يعلمون أنهم لا يظلمون ، ويعتقدون ذلك بخلاف أصحاب الشمال ، فإنهم يعتقدون أو يظنون أنهم يظلمون.
٢٦ ـ قوله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى ..) [الإسراء : ٩٤] الآية.
قال ذلك هنا. وقاله في الكهف بزيادة (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) لأن المعنى هنا : ما منعهم عن الإيمان بمحمد ، إلا قولهم : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] ، هلا بعث ملكا!! وجهلوا أن التجانس يورث التوانس ، والتغاير يورث التنافر.
والمعنى في الكهف : ما منعهم عن الإيمان والاستغفار ، إلا إتيان سنة الأولين ، فزاد فيها (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) لاتصاله بقوله : (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) وهم قوم نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، حيث أمروا بالاستغفار.
فنوح قال : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠]. وهود قال : (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود : ٦١]. وشعيب قال : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود : ٩٠].
٢٧ ـ قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) [الإسراء : ٩٦].
قال ذلك هنا بتقديم (شَهِيداً) على (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) وقاله في العنكبوت بالعكس .. لأن ما هنا جاء على الأصل من تقديم المفعول ، وما في العنكبوت جاء على خلاف الأصل ، ليتصل وصف الشهيد به ، وهو قوله تعالى (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.)
٢٨ ـ قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ..) [الإسراء : ٩٩].
قال ذلك هنا بلفظ (قادِرٌ) وفي الأحقاف بلفظ (بِقادِرٍ) وفي يس (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) .. لأن ما هنا خبر" إن" ، وما في يس خبر" ليس" وخبرها تدخله الباء ، وما في الأحقاف خبر" إنّ" وكان القياس عدم دخول الباء فيه ، لكنها دخلته تشبيها ل لم ب ليس في النفي.