أتى به ماضيا ، مع أن ما قبله مضارعين وهما : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) ليدلّ على أنّ حشرهم ، كان قبل السير والبروز ، ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم ، كأنه قال : وحشرناهم قبل ذلك.
١٢ ـ قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩].
إن قلت : كيف قال ذلك ، مع أن الصغائر تكفّر باجتناب الكبائر ، لقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١]؟!
قلت : الآية الأولى في حقّ الكافرين ، بدليل قوله (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) والثانية في حقّ المؤمنين ، لأن اجتناب الكبائر لا يتحقّق مع الكفر.
أو يقال : الأولى في حقّ المؤمنين أيضا ، لكن يجوز أن يكتب الصغائر ، ليشاهدها العبد يوم القيامة ، ثم يكفّر عنه فيعلم قدر نعمة العفو عليه.
١٣ ـ قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ..) [الكهف : ٥٠].
إن قلت : هذا يدل على أن (إِبْلِيسَ) من الجنّ ، وهو مناف لقوله تعالى في البقرة : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) فإنه يدل على أنه من الملائكة؟
قلت : في ذلك قولان :
أحدهما : أنه من الجنّ لظاهر هذه الآية ، ولأن له ذرية كفرة ، بل أكفر الكفرة. بخلاف الملائكة لا ذرية لهم ، ولا يعصون الله ما أمرهم ، لأنهم عقول مجردة لا شهوة لهم ، ولا معصية إلا عن شهوة ، فالاستثناء في تلك الآية منقطع.
وثانيهما ـ وهو المختار : أنه من الملائكة ، قبل أن يعصي الله تعالى ، فلمّا عصاه مسخه شيطانا ، وروي ذلك عن ابن عباس ، كما روي عنه أيضا أنه كان من خزّان الجنة ، وهم جماعة من الملائكة يسمّون الجنّ ، ف" كان" بمعنى صار.
أو المعنى : كان في سابق علمه تعالى ، أو من الجنّ الذين هم من الملائكة ، فالاستثناء متّصل ، ولا منافاة بين الآيتين.
١٤ ـ قوله تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ..) [الكهف : ٥٠] الآية.