حيث إنه قال ذلك على سبيل الانقطاع إلى الله ، والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه ، وإن لم يكن ثمّة ذنب ، وأما استغفاره من ذلك فمعناه اغفر لي ترك ذلك المندوب.
٤ ـ قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ..) [القصص : ٢٠] الآية.
قاله هنا بتقديم (رَجُلٌ) على (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) وعكس في يس (١).
قيل : موافقة هنا لقوله قبل : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) واهتماما ثمّ بتقديم (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) لما روي أن الرجل" حزقيل" وقيل" حبيب" كان يعبد الله في جبل ، فلما سمع خبر الرّسل سعى مستعجلا.
٥ ـ قوله تعالى : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) [القصص : ٢٥].
إن قلت : موسى لم يسق لابنتي شعيب طلبا للأجر ، فكيف أجاب دعوة شعيب في قول ابنته له : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا؟!)
قلت : يجوز أن يكون أجاب دعوته لوجه الله تعالى ، على وجه البرّ والمعروف ، لا طلبا للأجر وإن سمّي في الدعوة أجرا.
٦ ـ قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [القصص : ٢٧].
قاله هنا بلفظ (الصَّالِحِينَ) وفي الصّافات (٢) بلفظ (الصَّابِرِينَ) لأنّ ما هنا من كلام" شعيب" وهو المناسب للمعنى هنا ، إذ المعنى ستجدني من الصالحين في حسن العشرة ، والوفاء بالعهد.
وما هناك من كلام" إسماعيل" وهو المناسب للمعنى ثمّ ، إذ المعنى ستجدني من الصابرين على الذبح.
٧ ـ قوله تعالى : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) [القصص : ٣٤] أي يوضّح حججي ، ويؤيدها بما رزقه الله من فصاحة اللّسان.
__________________
(١) في يس (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) آية (٢٠).
(٢) في الصافات (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠).