فإن قلت : كيف قال ذلك هنا ، وقال في الحجر : (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي من طين أسود متغيّر ، وقال في الصافات : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي لازم يلصق باليد ، وقال في آل عمران : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ؟!)
قلت : الآيات كلّها متفقة المعنى ، لأنه تعالى خلقه من تراب ، ثم جعله طينا ، ثم حمأ مسنونا ، ثم صلصالا.
٤ ـ قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن : ١٧].
إن قلت : لم كرّر ذكر الربّ هنا ، دون سورتي : المعارج ، والمزمّل؟
قلت : كرّره هنا تأكيدا ، وخص ما هنا بالتأكيد لأنه موضع الامتنان ، وتعديد النّعم ، ولأن الخطاب فيه من جنسين هما : الإنس ، والجنّ ، بخلاف ذينك.
٥ ـ قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١]. أي سنقصد لحسابكم ، فهو وعيد وتهديد لهم ، فالفراغ هنا بمعنى القصد للشيء ، لا بمعنى الفراغ منه ، إذ معنى الفراغ من الشيء ، بذل المجهود فيه ، وهذا لا يقال في حقه تعالى.
٦ ـ قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦].
أي : ولمن خاف قيامه بين يدي ربه ، والمعنى لكل خائف من الفريقين جنتان : جنة للخائف الإنسي ، وجنة للخائف الجنّي ، أو المعنى لكل خائف جنتان : جنة لعقيدته ، وجنة لعمله ، أو جنة لفعل الطاعات ، وجنة لترك المعاصي ، أو جنة يثاب بها ، وجنة يتفضّل بها عليه. أو المراد بالجنتين جنة واحدة ، وإنما ثنّى مراعاة للفواصل.
٧ ـ قوله تعالى : (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٥٦]. جمع الضمير مع أن قبله جنتان ، لرجوعه إلى الآلاء المعدودة في الجنتين ، أو إلى الجنتين ، لكن جمعه لاشتمالهما على قصور ومنازل ، أو إلى المنازل والقصور التي دلّ عليها ذكر الجنتين ، أو إلى الفرش لقربها ، وتكون" في" بمعنى" على" كما في قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) [الطور : ٣٨].
أي : عليه ، وقوله تعالى : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) أي لم يفتضّ الإنسيّات إنسيّ ، ولا الجنيات جنيّ.
" تمت سورة الرحمن"