بالماء الذي به سوغه وعجنه ، ثم بالنّار الذي بها نضجه وصلاحه ، وذكر عقب كلّ من الثلاثة الأولى ما يفسده ، فقال في الأولى (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) وفي الثانية (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) وفي الثالثة (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) ولم يقل في الرابعة ما يفسدها ، بل قال : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) أي جعلناها تذكرة تتعظون بها ، ومتاعا للمسافرين ينتفعون بها.
٥ ـ قوله تعالى : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة : ٦٥].
ذكر في جواب (لَوْ) في الزرع اللام عملا بالأصل ، وحذفها منه في الماء اختصارا لدلالة الأول عليه ، أو أن أصل هذه اللام للتأكيد ، وهو أنسب بالمطعوم ، لأنه مقدّم وجودا ورتبة على المشروب.
٦ ـ قوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٧٤].
أي : نزّه ربّك فقوله : (بِاسْمِ) زائد ، أو المعنى : نزّه اسم ربك ، فالباء زائدة والاسم باق على معناه ، أو هو بمعنى الذّكر ، أو الباء متعلقة بمحذوف.
والمراد بالتسبيح الصلاة وباسم ربك : التكبير ، أي افتتح الصلاة بالتكبير.
٧ ـ قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) [الواقعة : ٧٧ ـ ٧٨.]
إن قلت : القرآن صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى ، فكيف يكون حالا في : (كِتابٍ مَكْنُونٍ) أي لوح محفوظ ، أو مصحف؟!
قلت : لا يلزم من كتابته في كتاب حلوله فيه ، كما لو كتب على شيء ألف دينار ، لا يلزم منه وجودها فيه ، ومثله قوله تعالى : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧]. فثبت أنه ليس حالا في شيء من ذلك ، بل هو كلام الله تعالى ، وكلامه صفة قديمة قائمة به لا تفارقه.
فإن قلت : إذا لم تفارقه فكيف سماه منزّلا؟
قلت : معنى" إنزاله تعالى له" إنه علّمه جبريل ، وأمره أن يعلّمه النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويأمره أن يعلمه لأمته ، مع أنه لم يزل ولا يزال صفة لله تعالى قائمة به لا تفارقه.
" تمت سورة الواقعة"