والمراد بقوله : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ :) أن جميع القرآن صحيح ثابت ، مصون عن الخلل والزّلل ، ولا تنافي بين (مُتَشابِهاتٌ) وقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً) إذ المراد ب (مُتَشابِهاتٌ) ما مرّ وب (مُتَشابِهاً) أنه يشبه بعضه بعضا في الصّحّة ، وعدم التناقض ، وتأييد بعضه لبعض.
٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.)
قاله بلفظ الغيبة ، وقال في آخر السورة : (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) بلفظ الخطاب لأن ما هنا متّصل بما قبله وهو قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) اتصالا لفظيا فقط.
وما في آخرها متّصل بما قبله وهو قوله : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) اتّصالا لفظيا ومعنويا ، لتقدم لفظ الوعد.
٦ ـ قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا.)
قال هنا وفي موضع من" الأنفال" : (كَذَّبُوا) وفي آخر منها : (كَفَرُوا) تفنّنا ، جريا على عادة العرب في تفنّنهم في الكلام.
٧ ـ قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ.)
أي ترى الفئة الكافرة المسلمة بمثلي عدد نفسها ، أو بالعكس على الخلاف.
إن قلت : هذا ينافي قوله في الأنفال (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) إذ قضيّته أن كلا منهما ترى الأخرى قليلة؟
قلت : التقليل والتّكثير في حالين :
قلّل الله المشركين في نظر المؤمنين ، وعكسه أولا ، حتى اجترأت كلّ منهما على قتال الأخرى.
ثمّ كثّر الله المؤمنين في نظر المشركين لما التقتا ، حتى جبنوا وفشلوا.
وكثّر الله المشركين في نظر المؤمنين ، وأراهم إيّاهم على ما هم عليه ـ وكانوا في الحقيقة أكثر من المؤمنين ـ ليعلموا صدق وعد الله في قوله : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فإن المؤمنين غلبوهم في هذا الغزاة وهي" غزاة بدر" مع أنهم كانوا أضعاف عدد المؤمنين.
٨ ـ قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً