غير أنّه يجب علينا ـ في المقام ـ التأمّل في هذا التفسير ، حيث إنّ الظاهر أنّ تفسير ابن عباس للبيوت بالمساجد بيان لأحد المصاديق ، لا المصداق المنحصر ، وكم لهذا التفسير من نظير ، في غير هذا المقام.
بل يمكن أن يقال : إنّ «البيوت» غير المساجد ، لأنّ المساجد يستحبّ أن تكون عمارتها مكشوفة غير مسقّفة ، وأفضل الأربعة «المسجد الحرام» ونراه بالحسّ والعيان قد بني مكشوفاً ، والبيت لا يُطلق حقيقة على المكان المكشوف ، بل هو عبارة عن المكان الذي يكون له سقف وظهر ، قال تعالى :
(لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (الزخرف ـ ٣٣).
وقال :
(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) (البقرة ـ ١٨٩).
وهذا واضح بملاحظة العرف أيضاً ، فإنّه يطلق على بيوت الأعراب وعلى خيامهم الموجودة في البادية ولا يطلق على نفس البادية لكونها مكشوفة بخلاف الخيام فإنّها مسقفة ، ولأجل ما ذكرناه لا تكاد تجد في القرآن الكريم موضعاً أُطلق فيه البيت على المسجد ، بخلاف الكعبة فإنّها حيث كانت مسقّفة أُطلق عليها البيت في مواضع شتى.
قال سبحانه :
(طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) (البقرة ـ ١٢٥).
وقال سبحانه :
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) (المائدة ـ ٩٧).
وقال سبحانه :
(ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج ـ ٣٣).