وقد عرفت تقييد الآية بالإجماع ، مع ان القاضي (١) ذكر ان الكفارة تذهب الإثم وتستر الذنب ، وذلك يقتضي كونها بعد الذنب كما في كفارة إفطار شهر رمضان وغيره ، فلا وجه لاختصاص هذه بالتقديم.
ولو سلمنا أن الآية ظاهرة في ذلك فأي وجه أوجب اختصاص التقديم بالمال دون ما عداه. ولو قيل : الوجه في ذلك ان الصوم من العبادات البدنية ، وهي لا تقدم على وقتها ما لم تمس إليه حاجة كالصلاة وصوم رمضان ، ولأنه تعالى أوجب التكفير بالصيام مع عدم الوجدان لا مطلقا. لقلنا : العبادات مطلقا مالية وبدنيّة لا تقدم على وقتها الا بدليل يدل على جواز التقديم ، وما ذكرتم لا دلالة فيه ، ولأنه إذا جاز تقديم كفارة المال مع وجدانه فليجز تقديم الصوم مع عدمه. على ان جعل الخبر دليلا على أن المراد بالآية ذلك لا وجه له ، كيف وهو مقيد بكون رؤية غيره خيرا منها والمراد أعم من ذلك كما هو الظاهر.
والذي عليه أصحابنا مخالف للحديث المذكور ، فإنهم يذهبون إلى أنه متى حلف على شيء ثم رأى غيره أولى منه انحل اليمين من غير كفارة ، وفي أخبارهم دلالة على ذلك ، روى زرارة (٢) في الحسن عن ابى جعفر عليهالسلام قال : كل يمين حلف عليها أن لا يفعلها مما له منفعة في الدنيا والآخرة فلا كفارة عليه وانما الكفارة في أن يحلف الرجل والله لا أزني ولا اشرب والله لا أخون وأشباه هذا ثم فعل فعليه الكفارة.
وروى عبد الرحمن (٣) بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليهالسلام قال : إذا حلف
__________________
(١) البيضاوي ج ٢ ص ١٦٦ وفي مقاييس اللغة ج ٥ ص ١٩١ ان الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد وهو الستر والتغطية.
(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٩١ بالرقم ١٠٧٥ والاستبصار ج ٤ ص ٤١ بالرقم ١٤٢ والكافي ج ٢ ص ٣٧٠ باب اليمين التي يلزم صاحبها الكفارة الحديث ٨ وهو في المرات ج ٨ ص ٢٤١.
(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٨٩ بالرقم ١٠٦٩ وفي ص ٢٨٤ بالرقم ١٠٤٣ عن الكليني وهو في الكافي ج ٢ ص ٣٦٩ باب من حلف على يمين فرآى خيرا منه الحديث ١ وهو في المرآة ج ٤ ص ٢٤٠.